مفاجأة من العيار الثقيل كشفت عنها الصحافة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، مفادها أن اتصالات أجرتها السلطة الفلسطينية مع حزب ليكود اليميني الحاكم، للعمل على تعزيز فرص فوز بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية في الانتخابات المقبلة، بتشجيع فلسطينيي الـ48 على التصويت لليكود، بسبب مخاوف السلطة الفلسطينية من انتخاب غدعون ساعر أو نفتالي بينيت.
الحقيقة أن هذا الخبر فضلًا عن كونه انتكاسة وطنية، ويفتقر للحصافة السياسية يقدم دليلًا آخر على حجم الميكيافيلية التي تعمل بموجبها السلطة الفلسطينية، وإن أجازت السياسة في بعض محطاتها اللجوء إلى هذا المبدأ غير المبدئي؛ فإنه حقيقة، وحقيقة مزعجة، يا للأسف الشديد!
في التفاصيل؛ إن نائب الوزير من حزب ليكود باتين مولاو التقى رئيس "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية" محمد المدني، وهو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وناقشا الانتخابات الإسرائيلية القادمة، و"المساعدة" المحتملة من السلطة الفلسطينية لفرص نتنياهو، مع أن الأمر يبدو خياليًّا.
يأتي هذا التواصل غير المسبوق من السلطة الفلسطينية اعتمادًا على جهودها في إقناع فلسطينيي الـ48، وتشجيعهم على دعم ليكود، وكان من المفترض أن تكون ذروة المحادثات في لقاء وجاهي بين الطرفين في رام الله بدعوة من السلطة الفلسطينية، لكن الاجتماع لم يعقد في نهاية المطاف، لأن الاحتلال لم يوافق عليه لأسباب أمنية، ما تسبب لصاحبة الدعوة بالإهانة والحرج.
أكثر من ذلك؛ إن تحليلات السلطة الفلسطينية باتت تعد نتنياهو معتدلًا سياسيًّا بالنسبة لنفتالي بينيت وغدعون ساعر -ويا للمفارقة!- وأن خوفها يتمثل في أن انتخاب أحدهما سيزيد من فرص التحركات الأحادية الجانب في الضفة الغربية، مثل الضم الجزئي وتوسيع المستوطنات.
مع أن العودة لانتخابات 2019م تذكرنا بأن نتنياهو "استخدم" التأليب على الفلسطينيين في الاتجاه المعاكس لتشجيع الناخبين اليمينيين، وزعم أن السلطة الفلسطينية تطالبهم بالخروج، والتصويت للإطاحة به.
ليكود والسلطة الفلسطينية لم ينفيا الاتصالات، واكتفيا بكلام "مشفر"، لكنه يشي بحصولها، فالأول أعلن أن "هذه المحادثات تمت بالفعل، لكنها تجري على نار هادئة، ولا أستطيع أن أشرح أكثر من ذلك"، أما السلطة فقد اعترفت ضمنيًّا باللقاء، قائلة: "منذ تشكيل "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية" عام 2012م تلتقي مندوبي "مختلف" الأحزاب الاسرائيلية، لحثهم على العمل من أجل إنهاء الاحتلال".
الغريب أن السلطة الفلسطينية تستند في مبادرتها هذه إلى ما عدته تحليلًا لنتائج الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، التي أخضعت نتائجها للتحليل والتفسير، وبحثت تأثيرها في مستقبل النظام السياسي الإسرائيلي، ما جعلها تصل إلى قناعة مفادها أن المعركة الانتخابية الإسرائيلية المقبلة ستكون بين اليمين واليمين المتشدد، وهذا لعمري عذر أقبح من ذنب!