تريثتُ قليلًا في الكتابةِ عن الراحل الشاعر الروائي مريد البرغوثي، ابن قرية دير غسانة قضاء رام الله, وراقبت العديد من الكتابات التي أشادت بمجملها بأعمال وأدبيات المريد.
لمريد 12 ديوانًا شعريًّا والعديد من الأعمال الروائية; أبرزها وأشهرها رواية: "رأيتُ رام الله"، وهي عبارة عن سيرتهِ الذاتية التي تُرجمت إلى لغاتٍ أجنبية عدة, وحازت جوائز كثيرة، منها جائزة نجيب محفوظ للآداب، أيضًا حصل مريد على جائزة فلسطين في الشعر عام 2000, وترجمت أشعاره إلى عدة لغات، وشارك في معارض الكتاب الكبرى بالعالم, وقدم العديد من المحاضرات عن الشعر الفلسطيني والعربي في الجامعات العربية والأجنبية كالقاهرة وأكسفورد ومانشستر ومدريد.
تميز سرده الروائي بالتأصيل والكتابة عن الإنسان والوطن والجذور التاريخية، كانت القضية الفلسطينية الهم الأكبر للمريد إذ قال:
"أنا أكبر من (إسرائيل) بأربع سنوات, والمؤكد أنني سأموت قبل تحرير بلادي من الاحتلال الإسرائيلي، عمري الذي عشت معظمه في المنافي تركني مُحملًا بغربةٍ لا شقاء منها وذاكرةٍ لا يمكن أن يوقفها شيء".
وعمَّن الأحق بأرض فلسطين قال:
"لم أكن ذات يومٍ مُغرمًا بالجدل النظري حول مَن له الحق في فلسطين, فنحن لم نخسر فلسطين في مباراةٍ للمنطق, لقد خسرناها بالإكراه والقوة".
وعلق البرغوثي على عدم قدرته على العودة بعد تخرجه في روايته ذائعة الصيت "رأيت رام الله": "نجحت في الحصول على شهادة تخرجي, وفشلت في العثور على حائطٍ أُعلق عليه شهادتي".
تلك الرواية التي وصفها المفكر الفلسطيني المعروف إدوارد سعيد بأنها واحدة مِن أفضل الروايات الوجودية التي تتحدث عن تهجير الفلسطينيين، وقال:
"إن هذا الواقع جعل نص البرغوثي حافِلًا بالهموم, من نوع أين يمكنه أو لا يمكنه أن يقيم؟ وكم يمكنه البقاء؟ ومتى عليه أن يغادر؟ والأقسى من ذلك كله ماذا يمكن أن يحدثَ في غيابه؟ مِن هنا هذه النغمة الحزينة في الكتاب, لكنها في الوقت نفسه نغمةٌ عَفية وإيجابية, حقًّا إن ما يعطي هذا الكتاب تفرده وأصالته المفعمة بالصدق التي لا تخطئها العين هو نسيجه الشعريّ الذي يؤكد قوة الحياة".
شاء الله وجاء القدر بأن يتوفى مريد في اليوم العالمي للحُب لِحبهِ الشديد لفلسطين، وعشقه الأبديّ لعشيقتهِ رضوى عاشور الكاتبة والأكاديمية المعروفة، إذ قال عند وفاتها:
"حين ذهبتِ مَالت أزهار اللوتس نحو الماء, ومَدت كفيها تستبقيكِ, وحين ذهبتِ حقلٌ من عباد الشمس تلفتَ نحوكِ وتخلى عن وجهِ الشمس، يا رضوى إننّي والقمر والنجمات نسيرُ إليك الليلة"، وقال أيضًا: "علمتني الحياة أنّ علينا أن نُحب الناس بالطريقة التي يحبون أن نحبهم بها".
كرّسَ كتاباتهِ الشعرية والنثرية الإبداعية دفاعًا عن القضية الفلسطينية، وعن حكاية الـsaga التاريخية لنضال شعبه، وعن الفكر الإنساني أجمع، ليتحول إلى مؤرخِ أحزانٍ وآمال قادر على الغوص في عمق النسيج السردي لكتاباته الشعرية والنثرية، كان يُبكي قارئهِ وفي الوقت ذاته يُضحكه، وهذه من سمات حياة الفلسطينيين, التي هي نفسها تُضحك وتُبكي.
مريد، سيذكرك الباحثون والباحثات في دراساتهم العلمية لشعرك وأدبك اللذين أثريا المكتبة العربية والأجنبية، وسيفتقدك مُريدوكَ ومُحِبوك في النوادي الأدبية بالقاهرة وعمان، وستبكيكَ دير غسانة ورام الله التي رأيتَها، ولكننا واثقون أن تميمَ سيتمم فكركَ ويواصل دربك.