يخرج المراقب للمشهد الإسرائيلي بالمزيد من الاستنتاجات المتجددة، ومن أهمها أنه كلما اتسعت رقعة الخلافات الإسرائيلية تظهر فرضيات جديدة لم تكن سائدة سابقا، على رأسها أن فكرة المصلحة الوطنية المشتركة ليست موجودة في "إسرائيل" اليوم، وفكرة "الشعب اليهودي" لا تعكس الواقع القائم حاليا، في ظل الفجوات السائدة بين الإسرائيليين على مختلف الأصعدة: اللغوية والثقافية والثغرات الاقتصادية، التي لا يمكن ردمها.
كما أن المزاعم الإسرائيلية أنها دولة ديمقراطية بسبب مظاهر الانتخابات، وحرية التعبير، والبرلمان، وحرية الحركة، والحرية الأكاديمية، هي في حقيقتها مظاهر جوفاء في جوهرها، لأن ما تشهده "إسرائيل" في الحقيقة فقاعات من الحرية، في حين أن البحر الكبير الذي تهتز فيه هذه الفقاعات هو دولة تفرقة عنصرية مظلمة.
حتى أن العنف الناتج عن هذا الوضع جزء لا يتجزأ من تشكيل الواقع في المرحلة التي تسبق الانتخابات الإسرائيلية، وهو يرتبط بحرمان الفلسطينيين الحقوقَ الأساسية، لأن "إسرائيل" محكومة بالتفسير الراديكالي "للقبائل اليهودية" التي تبنت مواقع رئيسة فيها، وأَنشأت تسلسلا هرميا للحقوق والواجبات فيها، فتأخذ هذه القبائل من اللوحة العامة بقدر ما يفرقها، على حساب قبائل المعارضة غير القريبة من المشهد السياسي.
في غضون ذلك تبني "إسرائيل" هذه الأيام بسبب قدراتها العسكرية جدرانا دفاعية عسكرية ومادية ضد الفلسطينيين، وتبني داخلها جدرانًا عقلية وسياسية بين القبائل اليهودية نفسها، وتبدو "إسرائيل" اليوم ديمقراطية شكلية، حيث تسعى كل قبيلة للتحالف مع شركائها، وتدير أدواتها لتولي مناصب السلطة والميزانيات.
مع العلم أن استبداد الأغلبية اليمينية في "إسرائيل" يفرض أيديولوجيتها بالقوة، فالائتلاف اليميني متدين، وقومي، ومتشدد، ويهدف بصراحة لإشعال النار بين الأشكنازيم والمزراحيم، الغربيين والشرقيين، مقابل معارضة تدعي أنها ليبرالية وديمقراطية وقومية وعلمانية.
وقد شهد الشهر الماضي جملة من الأحداث العنيفة التي شنها اليمينيون اليهود ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي والشرطة والمتظاهرين اليساريين، ما يرسم صورة فوضوية لـ"إسرائيل" التي تعيش هذه الحالة من التيه، بمن فيهم المستوطنون الذين يدعمون ممارسات "فتيان التلال" المضرة بالفلسطينيين وقوات الأمن، والنتيجة هي فوضى متوحشة ضد محاولات حازمة على ما يبدو من سلطات القانون والنظام.
الواقع الحاصل اليوم أن نتنياهو وشركاءه يقودون لتحريض عنيف للإسرائيليين ضد بعضهم، ما سيكون له تداعيات على مستوى "الدولة" بأسرها، وسيحفز الإسرائيليين الخائفين للتصويت لصالح استمرار النظام القائم، وعليه فإن هذا العنف وجد طريقه ضد الفلسطينيين بسبب منشورات يكتبها حاخامات أدت بالفعل إلى احتمال حقيقي لارتكاب هذه الأعمال العنيفة، وهي منشورات وفتاوى تستبيح دماءهم، بمن فيهم قتل الرضع والأطفال.