بدا غريبا أن تقف دولة الاحتلال على قدميها وهي تنتظر اتصالا هاتفيا، مجرد اتصال ليس أكثر، من الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بعد مرور قرابة شهر على تنصيب الأول، ووقوف الأخير ساعات طويلة أمام الهاتف، بانتظار هذا الاتصال الذي طال أمده.
لا يشكل هذا الاتصال الذي هللت له "إسرائيل" كثيرا حلّا نهائيا للقضايا العالقة بين "تل أبيب" وواشنطن في عهد بايدن، الذي طوى شهر العسل الذي أقامه سلفه ترامب مع حليفة نتنياهو، بدليل بقاء التشاؤم الإسرائيلي ذاته من السياسة المتوقع أن تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه دولة الاحتلال، خاصة في الملفين الفلسطيني والإيراني وقضايا أخرى.
اليوم، وبعد دخول بايدن شهره الثاني في البيت الأبيض، يتضح أن هزيمة ترامب تطلبت من صناع السياسة الإسرائيلية أن يكونوا على دراية بهذا التغير الجديد، ويستعدوا لعواقبه، فمسار بايدن له تأثير في خصائص ومعايير وتوازنات القوى في الفضاء الجيو-سياسي العام الذي تعمل فيه "إسرائيل".
وفّرت خصائص النظام العالمي في عهد ترامب بيئة إقليمية ودولية سمحت لـ"إسرائيل" بمزيد من الراحة لتتصرف كما تشاء، مع سياسة أمريكية أقل انتقادًا للاستيطان في الضفة المحتلة، وضغط أقل من محكمة العدل الدولية في لاهاي، وفعالية أقل لقرارات الأمم المتحدة، وهجمات أقل على القوانين العنصرية التي تسنها "إسرائيل"، وانتقاد أقل للسياسات المحلية تجاه العرب والمهاجرين.
الجديد أن "إسرائيل" قد تجد نفسها في قادم الأيام عرضة لضغوط متزايدة وصعوبات مناورة في مجموعة كاملة من القضايا أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، وعلى رأسها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ورغم أن هذه القضية ليست من أولويات إدارة بايدن، ولم تتسرع بالشروع في تسوية دائمة للصراع، فإن مقاربتها للتحركات الاستيطانية، وتحركات الضم من قبل "إسرائيل"، لن تكون متسامحة مثل عهد ترامب، كما ورد في صفقة القرن.
وكلما كان الخطاب الحقوقي يلقى صدى على الساحة الدولية، عادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدبلوماسية، وتضاءلت الشرعية المطلوبة للسياسة الإسرائيلية، وزادت لغة منتقديها، كما أن التطبيع الإقليمي قد يعاد طرحه مجددا، بعد أن ساعد تآكل مكانة القيم الليبرالية الذي اتسمت به فترة ترامب، على دفع القضية الفلسطينية خارج الأجندة الدولية والإقليمية، ما سهّل عملية التطبيع مع دول المنطقة العربية.
كما أن علاقة "إسرائيل" مع المؤسسات الدولية ستتأثر مع بايدن، فموقف ترامب السلبي تجاهها، وتعاطفه الشديد مع "إسرائيل"، حماها من الأضرار التي تسببها هذه المؤسسات لها، واليوم قد تجد "إسرائيل" نفسها عرضة لضغوط وقرارات سلبية، ما يقوض مرونة مثلث العلاقة الاستراتيجية: "تل أبيب": وواشنطن، بسبب نقاط خلافاتهما المهمة.