فلسطين أون لاين

الأمن المائي الفلسطيني بين الحاضر والمستقبل.. حالة قطاع غزة (1-2)

يقصد بالأمن المائي لبلد ما، وجود احتياطات كافية ومتجددة من المياه الصالحة للاستخدامات المختلفة، بحيث يجري توزيعها بطريقة عادلة وبأسعار ملائمة سواء من المصادر المحلية أو المصادر الخارجية تناسب تطورات المجتمع من حيث النمو السكاني ودرجة التحضر وبعيدة عن أي مخاطر.

ينطلق هذ المفهوم من أن الماء أساس الحياة للإنسان والحيوان والنبات ولكل المخلوقات، وهو مكون أساسي في جسم الإنسان إذ يمثل نسبة عالية جدًّا من مكوناته. يقول تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" [الأنبياء: 30]. وهو مورد طبيعي متوفر بكميات هائلة في أنحاء المعمورة وبدرجات متفاوتة بين مكان وآخر ومنطقة وأخرى. وهو من العناصر المتجددة، بمعنى أنها لا تنفد بالاستخدام، ولكنها تتحول إلى حالات أخرى. فهي موجودة في أحواض جوفية ويجري تغذيتها من مياه الأمطار والتي تتكون بدورها من حالات البخر التي تتم على سطح البحار والمحيطات والتجمعات المائية بفعل درجات الحرارة وسرعة الرياح. هذا إضافة إلى وفرة المياه العذبة المتجمدة بكميات هائلة في المناطق القطبية للكرة الأرضية.

لم تكن هناك معاناة من نقص المياه أو صراع حولها في الماضي القريب وربما قبل عقود من الزمن، ولكن مع مرور الوقت والزيادة الهائلة في أعداد السكان والاستخدام الجائر للمياه والإسراف في هذا الاستخدام؛ ظهرت صعوبات في كثير من بلدان العالم في توفير كميات المياه الصالحة للاستخدام، سواء لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي أو للري والاستخدام الإنتاجي، وبالتالي أخلَّ الوضع الجديد بمفهوم وضوابط الأمن المائي، ومن ثم بدأت مساعي الدول في إيجاد معالجات للمياه سواء بتحلية مياه البحار المالحة أو بمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، أو بشق قنوات لنقل المياه من منطقة لأخرى أو بغيرها من الأساليب، بخلاف حالات الصراع بين البلدان المجاورة حول تقاسم حصص مياه الأنهار والبحيرات.

غير أن الحالة الفلسطينية مختلفة تماما من حيث إن فلسطين لا تزال واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولا تزال (إسرائيل) تسيطر على أبرز موارد المياه كمنابع نهر الأردن والأحواض المائية الجوفية في الضفة، كما أنها شيدت سدودًا على مجاري الوديان التي تنطلق وتتدفق من الشرق إلى الغرب أو من الشمال إلى الجنوب لتمنع وصولها إلى قطاع غزة وغيرها من الأساليب. وقد تضطر إلى فتح هذه السدود بشكل مفاجئ حينما تتكاثر مياه الأمطار وتعجز عن احتوائها، وبالتالي تتضرر المناطق المنخفضة في القطاع، دون أن تتحمل (إسرائيل) أي التزامات أو تعويضات.

تضاعف أعداد سكان فلسطين في الضفة والقطاع منذ قدوم السلطة عام 1994 وحتى الوقت الحاضر بأكثر من 100%، وعلى مستوى قطاع غزة فقد تضاعف السكان منذ عام 1967 بنحو (500-600%)، ليتجاوز عددهم حاليًّا أكثر من 2.245 مليون نسمة، بحيث أصبح القطاع من أعلى مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية.

تزايد بالتالي الاحتياج إلى الماء للاستخدام الآدمي واحتياجات الري، ولم تعد مياه الأمطار كافية للحفاظ على مستوى المنسوب المائي في الأحواض الجوفية لتبقى المياه عذبة وصالحة للاستخدام الآدمي. ومع استمرار زيادة الاستهلاك والسحب الجائر من الأحواض الجوفية فإن منسوب المياه انخفض انخفاضًا شديدًا مع درجة ملوحة عالية جدًّا، يقابل ذلك صرف صحي متزايد، يتعذر معالجته بالشكل الكافي وبالكميات الكافي، لذلك فإن التلوث قد انتقل إلى شاطئ البحر وإلى المياه الجوفية التي أصبحت غير صالحة لأي استخدام كان.

ليست مشكلة المياه في غزة وليدة السنوات القليلة الماضية، ولكن وصلت إلى مستواها الحالي بسبب الاستهلاك المفرط وانخفاض مستويات الأمطار وانتشار التلوث في البر والبحر والتعديات الاسرائيلية على الحقوق المائية الفلسطينية.

صدرت تحذيرات من خلال التقارير الدولية والإقليمية -على ضوء تفاقم الحالة المائية في قطاع غزة- بأن غزة لن تكون صالحة للعيش بحلول 2020. وذلك في ظل استمرار ارتفاع ملوحة المياه. حيث تشير التقارير المتعلقة بفحص حالة المياه إلى أن أكثر من 95% من هذه المياه تتصف بالملوحة العالية وبالتلوث الكبير. وأن هذه النسبة ستزداد مع مرور الوقت بحيث تصبح جميع المياه الجوفية غير صالحة بالكامل وأن أساليب المعالجة المتاحة في هذه الحالة تصبح غير مجدية.

وأما المتاح حاليا للاستخدام بالمستوى الذي يناسب المعايير الدولية فهو ما توفره محطة جنوب دير البلح القائمة على تحلية مياه البحر. وتبلغ قدرتها الإنتاجية 7.3 ملايين كوب سنويًّا أي في حدود 5% من الاحتياجات الكلية للسكان. مع وعود من جانب بعثة ممثلي الدول الأوروبية بإقامة محطة جديدة لتحلية مياه البحر بنفس القدرات الحالية لمحطة دير البلح، هذا إضافة إلى محطة تحلية مياه البحر في شمال غزة، بطاقة إنتاجية قدرتها 20 ألف كوب يوميا بما يوازي 5.50 مليون كوب سنويًّا.

وبالتالي سيرتفع مستوى المياه التي تتفق مع المعايير الدولية إلى نحو 10% من احتياجات السكان. هذا مع استمرار استيراد كمية العجز الهائلة في المياه من شركة ميكوروت الإسرائيلية.