لم يغفل المشرع الفلسطيني الجرائم الانتخابية في القانون رقم (9) لسنة 2005، التي يمكن أن تحدث في أثناء سير العملية الانتخابية، إذ أفرد لها بابًا خاصًّا ضمن الباب "الحادي عشر"، الذي تضمن سبع مواد قانونية تفند طبيعة الجرائم الانتخابية، وتبين صورها وأشكالها، وتضع لها عقوبات خاصة تشمل الحبس والغرامة المالية.
كما أن القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 وتعديلاته لعام 2021 بشأن الانتخابات العامة الذي ألغى القانون رقم (9) لسنة 2005 تطرق للجرائم الانتخابية في الباب "الثاني عشر"، نظرًا لأهمية هذا الموضوع، وذلك بعرضها أيضًا في سبع مواد متتابعة.
فقد جاء في القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 في المادة (108) من الفقرة "ز" ما يجرم العبث بالصناديق المعدة للاقتراع، أو الأوراق والجداول، بالسرقة أو الإتلاف، أو عدم وضعها في الأماكن المخصصة، أو القيام بأي أعمال أخرى قصد المس بسلامة الإجراءات الانتخابية وسريتها، محددًا أن الفاعل يعاقب بعد الإدانة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بغرامة قدرها خمسمائة دولار أو كلتا العقوبتين معًا.
كما أوردت المادة (110) من الفقرة "أ" ما يفيد تجريم فعل نقل البيانات أو الإتلاف أو الإخفاء أو المساعدة في ذلك، ونصت على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تزيد على ألف دولار أمريكي، وشملت المادة (112) ما يجرم أيضًا الأفعال التي تدخل ضمن تصنيف التزوير واستخدام البيانات الكاذبة في المحاضر الانتخابية وقوائم المقترعين التي أوجب القانون تنظيمها، مؤكدة عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تقل عن ألف دولار أو كلتا العقوبتين معًا.
وفي الحقيقة لم يغفل القانون الملغى والقرار بقانون وتعديلاته أيضًا تناول إمكانية تورط أعضاء أو رؤساء اللجان الانتخابية أو موظفي الجهاز الإداري التابع للجان في جرائم مشابهة، واللافت أنها أظهرت اهتمامًا خاصًّا بهذا البند لخطورته لكونه يمكن أن يصدر عن الجهة المنوط بها أن تتحمل أمانة ومسؤولية إجراء الانتخابات وضمان نجاحها ونزاهتها، التي من المفترض ألا تتورط في أعمال مشابهة يمكن أن تتسبب بضرر بالغ بعكس الأطراف الأخرى، الأمر الذي دفع لمضاعفة العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو الغرامة بما لا يزيد على ثلاثة آلاف دولار وفقًا للمادة (114).
وهذا يدلل بما لا يدع مجالًا للشك على أن ما حدث من قرصنة في الأيام الأخيرة لقواعد وبيانات الناخبين في منطقة "الخليل"، شملت نقل أماكن اقتراعهم إلى أماكن أخرى بعيدة عن مكان سكناهم، أن هذه الأفعال مجرمة وتنطوي على مخاطر كبيرة من شأنها أن تؤثر في سير العملية الانتخابية وتقدح في نزاهتها، وتوجب المساءلة والمحاسبة وفقًا للقانون.
وفي الوقت ذاته تزيد من المسؤوليات القانونية المترتبة على عاتق لجنة الانتخابات وفريقها بشكل كامل، خصوصًا، إذا ما ثبت أن من هؤلاء الأعضاء من ساهم بصورة أو أخرى في مساعدة هؤلاء القراصنة، أو أغفل بأي صورة حماية البيانات والسجلات، ولم يبذل العناية المطلوبة لتحصينها في مواجهة محاولات الاختراق.
إضافة إلى أن أي تقاعس من لجنة الانتخابات في فتح تحقيق وملاحقة المتسببين بهذا الجرم يجعلها في مسؤولية مباشرة بموجب القانون، ويعكس تواطؤها ويظهر عدم حياديتها ويفقدها الثقة التي منحت لها وطنيًّا، ويخلق واقعًا يصعب فيه تصديق ما يصدر عن هذه اللجنة ويجعل أعمالها موضع شك.
وقد أحسنت صنعًا حين كشفت التفاصيل للرأي العام، وبينت طبيعة الخلل الحاصل، ووضحت إجراءاتها في مواجهة هذه الجريمة، التي كان منها رفع الأمر للنائب العام لفتح تحقيق فيما حدث لسجلات الناخبين.
وموضوعيًّا إن حدوث هذه القرصنة المتوقعة على السجلات عائد إلى عدة أسباب ومخاوف دفعت جهات أمنية متنفذة في السلطة للعبث في بيانات الناخبين، ومنها:
أولًا/ احتدام الصراع الفتحاوي الفتحاوي وفشل الحركة في توحيد صفوفها للاتفاق على قائمة موحدة تجمع الشتات الفتحاوي: أنصار تيار دحلان أو أنصار البرغوثي أو قائمة فتح التي تدعمها الرئاسة، الأمر الذي يهدد حظوظها القادمة نتيجة تشتت الأصوات.
ثانيًا/ الخشية من فوز حركة حماس في الضفة الغربية وفق استطلاعات الرأي الأخيرة والتقديرات الإسرائيلية، والتقارير الأمنية الخاصة بسلطة رام الله، مع فشل مشروع التسوية وانخفاض شعبية أبي مازن، ورغبة أهل الضفة في دعم مشروع مقاوم تقوده حماس.
ثالثًا/ استجابة لمطالب سياسية وأمنية مختلفة فلسطينية أو إسرائيلية، أو مطالب أجهزة مخابرات عربية أو دولية معنية باتخاذ خطوات مسبقة للقضاء على حظوظ حركة حماس، خصوصًا في الضفة، لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر محتملة تنعكس على الأمن الإسرائيلي ومصالح بعض الأطراف في المنطقة.
وختامًا/ إن أي تهاون في محاسبة المتورطين في هذا الفعل ستكون له نتائج كارثية، وسيكون دافعًا لارتكاب جرائم أخرى قد تكون أكثر خطورة من السابق، ما يهدد فعليًّا بنسف الجهود الحاصلة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، الأمر الذي يوجب على لجنة الانتخابات أن تتابع من كثب مسار التحقيقات، ويفرض على النائب العام إشراك جهات حقوقية من المجتمع المدني لضمان حيادية وعدالة الإجراءات.
وذلك مع الشكوك الحاصلة تجاه منظومة العدالة في الضفة، نتيجة سطوة السلطة التنفيذية وقادة الأمن، وتدخلهم السافر في أدق تفاصيل الإجراءات، طرف النيابة أو القضاء، فالسوابق كثيرة والشواهد أكثر كما تعلمون.