تابع الإسرائيليون من كثب تصريحات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والتحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وعدوها مؤشرات على عودة القضية السياسية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية، وتأكيدًا على قناعات سابقة بأن استمرار (إسرائيل) في تجاهل هذه القضية سيكلفها غالياً.
صحيح أن هناك استعداء إسرائيليًّا تجاه قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي وجدت أنه من المناسب السماح بإجراء تحقيق ضد (إسرائيل)، ولكن بجانب الكلمات والإدانات القاسية، يسأل الإسرائيليون أنفسهم: ماذا بعد؟ وكيف يجب أن يتعاملون مع الواقع الذي يصيبها مرارًا وتكرارًا؟
تتوافق قطاعات إسرائيلية عديدة على أن المنظومة الاحتلالية لملايين الفلسطينيين، والاستيطان في أراضيهم، وسياسة الفصل القائم بين اليهود والعرب، كل ذلك يخلق مواقف مستحيلة، ويجعل (إسرائيل) تواجه انتقادات شديدة في العالم، ولذلك إن استمرار تجاهلها ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين قد يكلفها غالياً.
ذلك بعد أن تنفس الإسرائيليون الصعداء في السنوات الماضية في ظل إدارة ترامب، لأن القضية السياسية الفلسطينية لم تكن مطروحة على الأجندة العامة مدة طويلة، ولذلك تركز الحملة الانتخابية الإسرائيلية الحالية، مثل سابقاتها، على محاولات الإبقاء على الحكومة القائمة في مواجهة الجهود المبذولة لاستبدالها.
كل هذا يحدث على خلفية أزمة كورونا، والأزمة الاقتصادية لدى الإسرائيليين، ومحاكمة نتنياهو، التي تجعل القضية السياسية مرة أخرى هامشية، ويبدو أنها غير ذات صلة، ولكن حتى لو نظر الجمهور الإسرائيلي وبعض نوابه للصراع مع الفلسطينيين بصورة خطأ أنه قضية هامشية؛ فإنه في نظر المجتمع الدولي قضية ملتهبة، بل متفجرة.
بعد أربع سنوات من حكم ترامب، بقيت (إسرائيل) فيها محمية من أقوى قوة في العالم، اليوم تأتي خيبة أملها مع مجيء بايدن، خشية دعوته مرة أخرى للعودة لطاولة المفاوضات، بالتزامن مع استمرار الاحتلال، والضم الفعلي على الأرض، وهنا ترفع الأعلام واحدة تلو الأخرى أمام أعين الإسرائيليين إيذانًا بنهاية حقبة القمع والاحتلال.
تصريحات إدارة بايدن، وتهديدات الملاحقة القضائية في لاهاي، ليست سوى الإشارات الأولى لعودة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال العالمي، مع أن الشيء الرئيس الذي يجب أن يمنع النوم عن أعين الإسرائيليين هو الحقيقة التي تنفجر تحت أنوفهم، وقد تنفجر بداخلهم.
عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وصل في الأسابيع الأخيرة إلى مستويات جديدة، وفي الوقت نفسه نشهد هجمات فلسطينية في الضفة الغربية، وإذا أضفنا لذلك الواقع الاقتصادي الصعب في السلطة الفلسطينية، فإن الصراع القادم مع الفلسطينيين على الأبواب، سيكون ثمنه أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا، وإن التعامل مع هذه القضية المتفجرة فقط في النواحي العسكرية والأمنية أثبت فشله بالفعل.