على مدار سنوات الاحتلال الإسرائيلي، عمل الاحتلال، على تجنيد الكثير من العملاء، بغرض "التخابر"، وجمع المعلومات، بشكل أساسي، بالإضافة إلى المساعدة على تنفيذ هجمات ضد أهداف تعتبرها "معادية".
ولم يعرف، من خلال المعلومات المتوفرة، أن مارس العملاء دوراً آخراً، يصل إلى تنفيذ الاغتيالات مباشرة.
لكن التحقيقات التي أعلنتها وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة ، في حادث اغتيال القيادي في كتائب القسام، مازن فقهاء، خلصت إلى تنفيذ مجموعة من العملاء عملية الاغتيال بشكل مباشر، تحت إشراف مخابرات الاحتلال.
وقد تكون هذه هي الحادثة الأولى، التي يُعلن عنها من هذا القبيل، بحسب مراقبين فلسطينيين.
وأعلنت وزارة الداخلية أمس أنها اعتقلت 3 عملاء نفذوا بشكل مباشر عملية اغتيال "فقهاء"، بإطلاق النار عليه.
وقال اللواء توفيق أبو نعيم، وكيل الوزارة، خلال مؤتمر صحفي إن المتخابرين الثلاثة، اعترفوا بتلقّيهم التعليمات مباشرة من مخابرات الاحتلال لتنفيذ العملية.
وعرضت الوزارة في المؤتمر، مقطع فيديو، ظهر فيه المعتقلين، مقدمين معلومات حول طريقة الاغتيال.
وقال المتهم الرئيس في عملية القتل، خلال المقطع، والذي عُرّف بـ (أ. ل)، إنه تلقي أمر الاغتيال قبل أسبوع من ضابط مخابرات الاحتلال الذي يشرف عليه.
وبيّن أنه تلقي أمراً من ضابط المخابرات، بتتبع سيارة فقهاء، إلى داخل مرآب السيارات، وإطلاق النار عليه بشكل مباشر، على منطقتي الرأس والصدر.
وقال:" نزلت سيارة الشهيد (في المرآب) نزلت أنا وراءه مباشرة، وقفت على شقة (جانب) الشباك، طقيت (نقرت) على الشباك، نزّل الشهيد الشباك تقريباً أقل من نصفه، الرجل اعتقد أني بدي (أريد) حاجة، أي مساعدة، قبل أن يتكلم، كنت مطلق من 5 إلى 6 رصاصات في الصدر والرأس".
وتابع:" انسحبت من الطريق التي قال لي عنها (ضابط المخابرات)".
تطوير خطير
ووصف إبراهيم حبيب، الخبير الأمني، في غزة، نتائج التحقيقات في حادث اغتيال "فقهاء"، بأنه "تطور خطير".
وقال حبيب الحاصل على درجة الدكتوراة في "الأمن القومي"، والمحاضر في أكاديمية الإدارة والسياسة بغزة:" تغيير وظيفة العملاء من مرحلة الرصد والمتابعة للتنفيذ المباشر، تطور خطير".
وأضاف:" من الوراد جداً تكرار العملية في قطاع غزة".
وقال:" هذه العملية هي الأولى من نوعها، خاصة وأنها تدلل على أن (إسرائيل) لا تريد المجازفة بفرق خاصة لهذا النوع من العمليات".
وقال إن عملية اغتيال فقهاء، "عملية استخبارية معقدة من الدرجة الأولى".
وتابع: "هذا يظهر من تعقيدات العملية التي تم تنفيذها من ثلاثة حلقات: الرصد والإمداد والتنفيذ، وعدم معرفة كل حلقة بالأخرى".
وقال حبيب:" واضح أن هناك تغير في طريقة عمل العملاء، والانتقال إلى القتل المباشر (..) هذا يعطي مؤشر أن (إسرائيل) لا تريد ان تتحمل تبعات أمنية قد تنتج نتيجة لقيامها هي بتنفيذ العمل بشكل مباشر في حين ردت المقاومة".
بسبب العجز
أما مصطفى الصواف، الكاتب والمحلل السياسي، فرأى أن دولة الاحتلال اضطرت لتغيير طريقة عملها، والاعتماد على العملاء، لأول مرة، بسبب الظروف الأمنية المعقدة في قطاع غزة.
وقال الصواف :" هناك حالة أمنية فريدة في غزة، منعت عناصر مخابرات الاحتلال من الولوج إلى داخل قطاع غزة".
وأضاف:" (إسرائيل) غيرت من طريقة تعاملها في استخدام العملاء، وانتقلت بهم من مرحلة جمع المعلومات، إلى مرحلة التنفيذ المباشر، نظراً لقوة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة".
وتابع: "(إسرائيل) عجزت عن الوصول إلى الهدف، مما دفعها لاستخدام العملاء بتنفيذ مباشر لعملية الاغتيال".
خوفاً من رد حماس
من جانبه، قال فايز أبو شمالة، الكاتب في صحيفة "فلسطين "المحلية الصادرة من قطاع غزة، إن دولة الاحتلال لجأت لهذا الأسلوب، خوفاً من رد حركة حماس، في حال فشل عناصرها في تنفيذ عملية الاغتيال.
وقال:" لجأت (إسرائيل) لهذه الوظيفة، وغيرت طريقة عمل العملاء، لكي تنأى بنفسها عن المسؤولية المباشرة، وما قد يقابلها من رد من المقاومة، والذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة".
وتابع:" (إسرائيل) لديها كم كبير من العملاء تم توظيفهم سابقاً، فكل شخص يقوم بدور معين ومن المحتمل أن يتغير بأي وقت".
وأضاف:" هذا أسلوب من أساليب استنزاف المقاومة الفلسطينية، و(إسرائيل) قد تلجأ إليه كثيراً".
ونفذت مجموعات "كوماندوز"، تابعة لأجهزة مخابرات الاحتلال، الكثير من عمليات الاغتيال بحق الزعماء الفلسطينيين، خلال الحقبات الماضية.
وكان من أشهر تلك العمليات، اغتيال خليل الوزير، القيادي الرفيع في منظمة التحرير الفلسطينية، في شهر إبريل/نيسان من عام 1988، في تونس.
كما فشل عنصران يتبعان للموساد (جهاز مخابرات الاحتلال الخارجية ) في اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، خالد مشعل، في العاصمة الأردنية، عمان سبتمبر/أيلول 1997، حيث تم اعتقالهما من قبل الشرطة الأردنية.