الأمة العربية تعرضت لمحن كثيرة منذ ظهورها، ولكن أكثر ما عرض الأمة للخطر هو المؤامرة عليها وتوظيف حكامها واستبقار شعوبها. فالمشروع الصهيوني سرطان يفتك بالأمة وقد مر محطات حتى يصل إلى المحطة المالية التي انتزع فيها عقول العرب فانقدوا له كما تنقاد الغنم لراعيها وهي تعلم أنه الذئب التي يترصدها.
مهمتنا هي استنهاض عقول الأمة، والمحافظة على علاقات الشعوب، ونصح الحكام وتوعيتهم ومادام الرهان على الحكام والشعوب فإن المعركة بيننا وبين المشروع الصهيوني هي في الاساس معركة فكرية مقرونة بخلق مصالح وهمية، وتغيب العقول لدي الشعوب، ولذلك لاشك عندنا في أن التقارب من إسرائيل يتم استدراج وإغواء الحكام للعرب به وأنا أعيب على جمهرة المثقفين العرب الذين كان يجب أن يتصدوا لأول تجربة ابتدعها السادات لدوافع شخصية ألبسها ثوب الشرعية الوطنية والغريب أن السادات نسج حول القصص والبطولات رغم أنه على النقيض والفصل في ذلك لسيطرة إعلام الحاكم الذي لم يترك للمواطن مصدرا للحقيقة، فأصبح التناقض ظاهرا بين الواقع وبين التصريحات.
وعندما أبرمت اتفاقية السلام عام 1979 أطلق السادات مجموعة من الوعود الوردية وهي أن السلام مع إسرائيل يجلب الرخاء والسلام للجميع فيعيشوا جنبا إلى جنب في وئام وتعاون لصالح رفاهية المنطقة وتحويل طاقة العداء المتبادل إلى طاقة للعمل والكل منتصر والكل فائز. وعندما أبرمت أوسلو قال عرفات أنه سلام الشجعان علما بأن أوسلو في التحليل الموضوعي من أهم محطات المشروع الصهيوني وهي مترتبة على اخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان مقابل انسحاب إسرائيل من بيروت عام 1982 وقد طورد نقاد صفقة كامب دافيد كما طورد نقاد أوسلو، فقدت اتفاقية وداي عربة مع الأردن وكلها أحبطت بهالة إعلامية ضيعت الحقائق وغيبت عقول الناس وقد ضحي الكثيرون من نقاد التقارب مع إسرائيل في مصر والعالم العربي. والطريف أن السادات وهو يتنكر لعروبة مصر كشف عن مبرر يتسم بالجهل والحماقة لما فهمه من أن العداء المتبادل بين العرب وإسرائيل سببه نفسي وحاجز نفسي فإذا رفعنا هذا الحاجز أنسي اليهود للعرب وأمكن التفاهم وقد أنكر السادات الحقيقة وهي إسرائيل هي التي زرعت خوفا نفسيا ورهبة في قلوب الحكام العرب بحيث انحازوا إلى سلطتهم وضحوا بمصالح أوطانهم.
إننا مطالبون بتفنيد الأكاذيب التي تنطلق تبريرا للتخلي عن فلسطين لإسرائيل ونصره اليهود على حساب سكانها الفلسطينيين، حتى تنكر مقاومتهم ويسقط في أيديهم فينضموا إلى قوافل المهرولين نحن مطالبون بتجلية المصطلحات مثل الصراع العربي الإسرائيلي والحروب العربية الإسرائيلية وحرب الأيام السقة وحرب يوم الغفران (أي أكتوبر) ومفهوم السلام ومعاهدات السلام والصلح ومعني المقاومة، وانحسار العروبة وجامعتها لصالح المنظمة الجديدة للشرق الأوسط الجديد. فإذا انضمت كل الدول العربية إلى المنظمة المتصورة فإن الجامعة التي كانت عربية سوف تنحل وترحل واضح أن المقاومة الثقافية والفكرية إزاء هيمنة إعلام النظم على المشهد مهمتها استعادة العقل العربي قبل أن يفني العرق العربي، ولابد أن تثبت أن الأمة العربية باقية لم يكشفها أحد وإن تخلي عنها معظم أبنائها، وأن عدوها هو المشروع الصهيوني.
والمقاومة الثقافية والنفسية لا تقل أهمية إن لم ترد على المقاومة الشعبية والمسلحة، لأن سلاح الحرب النفسية والثقافية يشكك في كل شيء ويضغط على أعصاب المفكرين العرب. إأنها معركة وجود بين سرطان صهيوني وجسد العالم العربي وعقله، فقد رأينا موجه اليأس تتسع كلما زاد عدد المهرولين. وسوف نحصر هذه المصطلحات ونفندها بالتفصيل في سلسلة مقالات قادمة بالإضافة إلى عدد من الكتب ضمن حملة المقاومة الفكرية والثقافية فما تسيد المشروع الصهيوني إلا في بيئة عربية مناسبة: حكام يأ بأمر واشنطن لصالح إسرائيل ويقيمون استبدادهم على حساب عقول الشعب وأوطانهم، فلا يميز المواطن بين مصالح الحاكم ومصالح الوطن ويمضي مرفوعا بإعلان الحكم وليس إعلام الوطن إلى العقلي والثقافي.