المقاومة ضد "إسرائيل" لها شعبتان: فلسطينية ولبنانية. ونشأت المقاومة الفلسطينية في يناير 1965 في القاهرة، أما المقاومة اللبنانية فقد نشأت في عام 1982 لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي لبيروت, وقد اشتركت حركة فتح ومختلف أجنحة المقاومة الفلسطينية في لبنان مع المقاومة اللبنانية, وهذا كان سببًا إضافيًّا جعل "إسرائيل" تصر على ربط انسحابها من بيروت بنقل المقاومة الفلسطينية إلى تونس وإبعادها عن المسرح المحيط بـ"إسرائيل". ولكن المقاومة الفلسطينية نشأت ضد "إسرائيل" بمعرفة مصر لتعمل من لبنان والأردن, أما المقاومة اللبنانية فنشات كذراع لإيران الثورة وإن كانت تعمل على الأراضي اللبنانية. وبعد جلاء "إسرائيل" عن بيروت كانت المقاومة اللبنانية (حزب الله) في الجنوب حتى اضطرتها إلى الفرار دون مقابل. وهكذا ارتبطت المقاومة الفلسطينية لكن في المرحلة الثانية منذ 1987 ونشأة حركة حماس الإسلامية بحزب الله رغم أنها سنية بحزب شيعي أحدث أثرًا كبيرًا في لبنان وتحالفات المنطقة فيما بعد واعتمدت عليه إيران في صراعها مع "إسرائيل", وصارت إيران هي الممول الأساسي لحماس بعد تراجع الدعم العربي والممول الوحيد لحزب الله منذ البداية.
غير أن فكرة المقاومة ضد "إسرائيل" تغير موقعها من اهتمامات المنطقة العربية بسبب عوامل ثلاثة: الأول علاقتها بإيران والثاني التغلغل الإسرائيلي في العالم العربي. والثالث هو ثقل واشنطن عند الحكام العرب. فقد ارتبطت إيران عضويًّا بحزب الله عقب ثورتها عام 1979, فصار -شاء أم أبى- تابعًا لإيران تبعية طائفية مادية، فمصادر قوته تعتمد على إيران. ولما كانت إيران الثورة بدأت بعداء لواشنطن والسعودية كما أن العام نفسه 1979 شهد دخول مصر في حظيرة الولايات المتحدة والتقارب مع "إسرائيل" ومغادرة الحظيرة العربية, فقد حلت إيران محل مصر في دعم المقاومة بجناحيها ضد "إسرائيل"، وكلما تقاربت "إسرائيل" مع دول عربية تخلت هذه الدول عن المقاومة بجناحيها كل لأسبابه ولكن التقارب مع "إسرائيل" لا يؤدي بالضرورة إلى معاداة إيران. فعندما كانت فتح هي التي تقود المقاومة في الستينيات كانت المقاومة مقدسة عند الشعوب والنظم، وعندما استأنست "إسرائيل" النظم بمعاهدات السلام بدعم أمريكي ابتعدت هذه النظم عن المقاومة، كل لأسبابه فقد اتهمت مصر حزب الله وحماس باقتحام الحدود المصرية في ثورة يناير 2011 وفتح السجون ثم عندما وقعت المواجهة الدامية بين الإخوان والمجلس العسكري، فساءت العلاقة مع حماس واتهمت بأنها فرع من الإخوان ثم اتهمت حماس بأنها تتواطأ مع الإرهابيين في سيناء ضد الجيش المصري بل وصل الأمر إلى القضاء الذي قرر أن حماس منظمة إرهابية.
وتنقسم الدول العربية في موقفها من المقاومة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: التعاطف مع المقاومة والعداء لـ"إسرائيل"، وهذا يشمل دول المغرب العربي والدول الموالية لإيران مثل سوريا والعراق ولبنان. القسم الثاني الدول التي تعد المقاومة منظمة إرهابية، لأن عداءها لإيران يجعل حزب الله كذلك، وعداءها للإخوان يجعل حماس كذلك، وأبرز مثال هي السعودية.
القسم الثالث: الذي يعادي المقاومة بسبب تقاربه مع "إسرائيل" مثل الإمارات والبحرين.
وعمومًا فدول الخليج التي تسيطر على النظام العربي استصدرت قرارات من الجامعة العربية تعد حزب الله وحماس منظمات إرهابية كما تعد إيران دولة مهددة لأمن الخليج ولذلك عندما قاطعت الدول الأربع (السعودية والبحرين والإمارات ومصر) دولة قطر استعانت قطر بإيران وتركيا لصد الهجمة الشرسة ضدها ومحاصرتها ومقاطعتها, ونعتقد أن هناك سببين: الأول هو أن قطر تنافس السعودية والإمارات وتعادي البحرين ومصر منذ تغيير النظام عام 2013 في مصر والسبب الثاني هو مساندة قطر للمعارضة المصرية ودعمها للإخوان وتسخير إعلامها لمعاداة مصر وكشف ما يخفيه الإعلام المصري, فضلًا عن دعم قطر لغزة والتخفيف من معاناتها من الحصار وبالطبع لم تشترك قطر في قرار الجامعة باعتبار المقاومة بجناحيها منظمات إرهابية.
ويبدو أنه كلما ازداد الصراع الأمريكي الإيراني انعكس على الصراع الإيراني السعودي، وكذلك كلما اتجهت السعودية إلى كشف تقاربها مع "إسرائيل" بشكل ظاهر كلما كان عداؤها للشعب الفلسطيني والمقاومة ظاهرًا، ولذلك فإن عداءها لحماس له سببان الأول هو دعم إيران لها والثاني أن حماس فرع من الإخوان على الرغم من أنها أكدت عدة مرات أنها تعمل في الإطار الفلسطيني ولا علاقة لها بما جرى للإخوان في مصر.
في ضوء ما تقدم نستطيع أن نحدد موقف الأردن من المقاومة بأن الأردن على علاقة طيبة ورسمية بـ"إسرائيل"، وفي الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات قوية بالسعودية والخليج رغم أن السعودية تنافسها في الإشراف على الأوقاف الإسلامية في القدس والمسجد الأقصى، ولكن كل ذلك لم يستدع الجراح التاريخية بين البلدين, وإن كان الملك الحسين بن طلال تحالف مع صدام حسين أملًا في استرجاع ملك أجداده في الحجاز عندما غزا صدام الكويت عام 1990.
ورغم أن صفقة القرن تؤدي إلى إلغاء الأردن وتحوله إلى وطن بديل للفلسطينيين إلا أن موقفه من الملف يكتنفه بعض الغموض مثلما يلف الغموض موقفه من مشروع نيوم الذي أعلنه محمد بن سلمان لاستيعاب "إسرائيل" مع السعودية ومصر والأردن، كما يلف الغموض موقف الأردن من الحصار الذي كان مفروضا على قطر، وكذلك من الصراع في ليبيا وسوريا ولبنان.
الخلاصة أن كل الدول العربية أيدت المقاومة قبل 1967 بسبب دعم مصر لها وبسبب أنها كانت مقاومة علمانية نشأت في إطار المد القومي فلما ضرب مع عبد الناصر عام 1967 انحسر الدعم للمقاومة وتفرغت مصر والأردن وسوريا لإزالة آثار عدوان 1967 خاصة أنها أسفرت عن احتلال "إسرائيل" لكل فلسطين وبدأت سياسة التهويد والاستيطان منذ ذلك التاريخ.
أما عام 1987 في أعقاب الإنتفاضة الفلسطينية الأولى فكانت الدول العربية بعد كامب ديفيد قد اتجهت إلى مهادنة "إسرائيل" والتراخي في دعم المقاومة وتركتها لدعم إيران، لأن صفقة كامب ديفيد مع مصر أخرجتها من الصراع مع "إسرائيل" فأثمر ذلك مبادرة الأمير فهد التي تبنتها القمة العربية في الرباط 1982 وهو العام نفسه الذي شهد ميلاد حزب الله عقب احتلال إسرائيل لبيروت. ثم إن حماس مقاومة إسلامية فحدث صدام فكري بين المقاومة العربية لفتح والإسلامية لحماس خاصة أن الإسلاميين فرحوا لهزيمة مصر عام 1967 وهزيمة المد العربي، ما دعا الإسلاميين إلى الشماتة في العروبيين في هذا الصراع. وحتى الدول التي كانت غير متحمسة للمد القومي مثل السعودية بسبب -عبد الناصر واليمن وصدام بعد ذلك مع إيران ثم الكويت إلا أنها كانت لا تعارض المقاومة العلمانية ثم كانت ضد المقاومة الإسلامية لحماس لمجرد أنهم إخوان وأن إيران تدعمهم رغم أن السعودية استخدمت الإخوان ضد عبد الناصر عندما عصف بهم في عام 1954.
فالطابع الإسلامي الإخواني للمقاومة استدعى تغير موقف الخليج منها ولذلك يجب أن نميز بين معاملة الخليج للفلسطينين وموقف الخليج من المقاومة، فلم نعرف أن الخليج دعم المقاومة في المرحلتين، كما أن موقف الخليج من الفلسطينيين قلب التعاطف معهم إلى مطاردة لهم بعد تأييد ياسر عرفات لغزو صدام للكويت التي كانت أول من أحسن استقبال الفلسطينين ومن الواضح أن هذا الموقف هو السبب الأساسي في تحول القضية الفلسطينية في مؤتمر مدريد الذي كان يستوعب حماس الانتفاضة وأسفر على كل حال عن اتفاق أوسلو -1993 التي كانت سببًا آخر في الشقاق بين فتح وحماس، إذ حاولت السعودية ومصر رأب هذا الصدع رغم استحالته وتناقضته مع مواقف البلدين الجديد من مجمل القضية.