فلسطين أون لاين

المقاومة المشروعة والإرهاب

اتجهت قواعد القانون الدولي إلى تجريم الإرهاب والأعمال الإرهابية، وإباحة في إطار تقرير المصير لأجل طرد المستعمر، لذا فإن الأسئلة التي يمكن طرحها في هذه المادة: إلى أي مدى يمكن اعتبار جميع أشكال المقاومة مشروعة؟ وما القيود الخاصة التي يمكن أن ترد على استخدام القوة في هذا الإطار؟ وما الموقف الدولي من الأعمال الإرهابية؟

لا شك أنه من الضروري المحافظة على شرعية أعمال المقاومة، وإبقاء سلوك المقاومين في إطار متناسق مع اتفاقيات جنيف لسنة 1949 إضافة للبروتوكولات الملحقة بها عام 1977، وهذا يتطلب الالتزام بشروط خاصة تنظم استخدام واستعمال القوة يمكن تناولها في هذا السياق:

ألا يكون عمل المقاومة موجها ضد المدنيين العزل "الأطفال، والنساء، والشيوخ"، وذلك حتى لا يؤثر فعل المقاومة على الأرض بصورة المقاومة أمام المراقبين، ولا يُظهر المقاومين بمظهر الأشخاص الدمويين الذين يتعطشون للانتقام من المدنيين، فضلا عن أن استهداف المدنيين مباشرة عن سبق إصرار وتصميم قد يدخل ضمن تصنيفات الإرهاب ويجلب سخط المجتمع الدولي.

كما أنه من الضروري أن تتركز العمليات والأنشطة القتالية التي تنفذها المقاومة داخل الأراضي المحتلة بالتحديد، وأن تنحصر المهام القتالية ضد الأهداف العسكرية والمصالح المادية للاحتلال ويمكن أن يشمل ذلك المعدات والأجهزة أيضا.

فالهدف المشروع لا بد له من وسائل مشروعة، وهذا هو الفارق بين الإرهابي والثوري "المقاوم"، والحرص على استخدام الوسائل المشروعة يساهم في رسم الحدود الفاصلة بين المقاومة والإرهاب، لأن الإفراط في استخدام وسائل غير مشروعة يرتب آثارا سلبية وخطرة على مكانة ومشروعية العمل.

وأذكر هنا حادثة اختطاف مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين السفينةَ الإيطالية "أكيل لوروا" في 7 أكتوبر عام 1985، التي أسفرت عن قتل أحد المدنيين، فاعتبر آنذاك عملا إرهابيا، الأمر الذي جلب إدانات واضحة من العديد من الدول، وخلف أثرا سلبيا على حجم التعاطف مع القضية الفلسطينية.

وهذا ما دفع منظمة التحرير في حينه إلى إصدار إعلان القاهرة في 17/11/1985م، حيث أعلنت فيه عن مبادئ عامة تنظم فيها الإطار الذي سيتم التحرك فيه للعمل المقاوم مع تأكيدها الالتزام باستحقاقاته على الساحة الدولية، الذي تضمن مفاهيم ومبادئ واضحة تفرق بين الأعمال الإرهابية والمقاومة المشروعة.

ويمكن إجمال ما تضمنه إعلان القاهرة في تأكيدها القرار الصادر في عام 1974 القاضي بإدانة العمليات الخارجية بكل أشكالها، وأنها تتعهد من تاريخ الإعلان باتخاذ إجراءات تكفل ردع أي مخالفين، كما تضمن أيضا شجب وإدانة جميع عمليات الإرهاب ضد الأبرياء والعزل، وتأكيد تمسك الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل السبل المتاحة، واقتناعه بأن العمليات الإرهابية التي ترتكب خارج فلسطين تسيء للقضية وتشوه صورة الكفاح المشروع.

فحق الفلسطينيين مشروع في مقاومة الاحتلال، وعلينا الاستفادة قدر الإمكان من الفرص المتاحة أمامنا، التي أقرتها المبادئ والأحكام الخاصة بالقانون الدولي، فقد جاء في مؤتمري لاهاي عامي 1899 و1907 تأكيد لحق المقاومة، وأيضا أقر مؤتمر باريس عام 1919 الحق ذاته.

إضافة للإعلان الخاص بشأن منح الاستقلال للشعوب الخاضعة للاستعمار الذي اعتمد لدى الجمعية العامة في القرار رقم (1514) في 14 ديسمبر عام 1960، حيث تضمنت فقرته التنفيذية رقم "2" (أن لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير).

والقرار 2105 في عام 1965 القاضي بتطبيق قانون الحرب في المنازعات التي تنشأ بين حركات التحرر الوطني والدول الاستعمارية، وقد طالب القرار 2674 عام 1970 بتوفير الحماية اللازمة للمناضلين من أجل الحرية.

كما أنه نظرا للأعمال الإرهابية وتفاقمها على المستويين العالمي والداخلي فإن المجتمع الدولي وضع آليات دولية لمكافحة الإرهاب، منها اتفاقية منع ومعاقبة الإرهاب عام 1963، واتفاقية منع الاستيلاء على الطائرات الموقعة في لاهاي في 16/12/1970، والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن التي أقرتها الجمعية العامة في سنة 1979.

وبروتوكول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنشآت عام 1988، واتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي لمحاربة الإرهاب الدولي سنة 1999، وقرار مجلس الأمن رقم 1373 عام 2001 لما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية واعتباره تهديدا للسلم والأمن الدوليين، والاتفاقية النووية لقمع الإرهاب النووي لسنة 2005، وغيرها الكثير من الاتفاقيات الصارمة في هذا الشأن.

لذلك يعد أي إغفال لمبادئ القانون الدولي والاتفاقيات المرتبطة به عملا غير مسؤول خصوصا في ظل سعي الشعب الفلسطيني وعلى وجه التحديد القيادة الفلسطينية إلى تحريك الدعاوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين، وحرص معظم القيادات الوطنية على إنجاح هذا المسار وبالتالي لا نريد أن نقع فريسة في لحظة ما ونصبح تحت الملاحقة نتيجة ادعاءات الاحتلال وقدرته على تحشيد المجتمع الدولي ضد مقاومينا.