"منذ ولجت مراهقتي أخذ يتكرر على مسامعي: من سيرغب بها؟ من يقبل الزواج من حبة تمر مكتنزة؟ وكأنني لست أنثى! تجنبت الناس، وانكفأت على نفسي خجلًا من شكلي.
أقف أمام المرآة مطولًا أتأمل جسدي وأجلد نفسي بسيط البغض والاحتقار، وأدرس سيناريوهات مختلفة لأغير من شكل هذا الجسد، حرمت نفسي الطعام، وأجهدتها بتمارين قاسية، وتابعت صفحات الرشاقة والجمال، قارنت جسدي المقيت بصورها وتحسرت كثيرًا على بشرتي السمراء وجسدي السمين وشعري الخشن الأجعد، دون أن أنسى أن لا أحد سيقبل الزواج مني!
في عشرينياتي، أُصبت بفرط نشاط الغدة الدرقية، بدأ بتضخم في أسفل رقبتي ونوبات ذعر وخفقان في القلب وتعرُّق شديد وضيق في التنفس، ثم فقدان وزن سريع، وجحوظ في العينين وتعب مستمر.
تدهورت صحتي تدهورًا كبيرًا، وقرر الأطباء استئصال غدتي الدرقية التي قلبت حياتي رأسًا على عقب.
تمنيت كثيرًا أن أعود لما كنت عليه سابقًا، وتأكد لي أن الصحة أجمل ما كنت أمتلكه، ولكن ليتني كنت أعقل!".
كثيرٌ منا يركز اهتمامه على وزنه وشكله وملابسه ومظهره، يفرض على نفسه قيودًا فوق طاقته، لعله يرى نظرات الإعجاب تتساقط من حوله، ويزداد الوضع سوءًا، إذا كان مقبلًا على مناسبة سيظهر فيها بين الناس!
عندما تنظر/ين في المرآة ماذا ترى/ين تحديدًا؟ هل يقفز أمام عينيك الوزن الزائد والكرش والمناطق الممتلئة بالدهون أو الجسد الضئيل والعظام الرقيقة الناتئة؟ أم تظهر البثور وحبِّ الشباب أو التجاعيد؟ أم هو الشعر الخشن الأجعد والحاجبان الملتحمان من الوسط؟ أم يستولي على اهتمامك الفم الكبير والأنف الأفطس أو الطويل والعيون الضيقة؟ أم البشرة الداكنة التي تسببت الشمس في ظهور النمش فيها؟ أم ... ماذا أيضًا؟
بالمختصر: هل تكره/ين سمات جسدك لهذا تبذل/ين الكثير وترهق/ين نفسك من أجل تغييره ما بين حميات وتدريبات وصبغات وطبقات وطبقات من مساحيق تجميل البشرة والمكياج، فضلًا عن مطاردة آخر صرعات الموضة لعل هذا الجسد يتماشى مع التطور السريع من حولك؟!
ولماذا كل ذلك؟! لأنك تبغضه! لست راضيًا عنه! لا تريده أن يبقى على حاله!
ترى في وسائل التواصل الاجتماعي الآخرين وتحسدهم على جمال أجسادهم، تتمنى لو أنك تمتلك عضلات ضخمة منتفخة تغطي ذراعيك وصدرك وكتفيك، تتباهى بها، ويشهد الجميع بأنها رائعة!
وترين عارضات أزياء وممثلات ومغنيات، يتمايلن بأجساد رائعة تلبي كل المعايير التي فرضها أرباب الموضة والفن، تموتين حسرة وأنت تحلمين وتتمنين لو أن جسدك يتغير ويصبح مثل تلك الأجساد!
ولأجل الوصول إلى تلك الأمنيات وغيرها يخسرون الكثير: جهدًا ومالًا ووقتًا واحتقارًا للذات لهذا الجسد الذي يقاوم التغيير، أشهر عدَّة تمضينها في حمية جعلتك تشعرين بالحرمان، وتشتهين كل الأطعمة بلا استثناء، حتى تلك التي كنت تكرهينها، والمصيبة أنك لم تخسري سوى كيلوغرامات قليلة لا تكاد تُذكر، والأدهى والأمرّ أنك تعودين للاكتناز وزيادة الوزن بمجرد أن تشمِّي رائحة طعام لذيذ، حتى قبل أن تتذوقيه، ليغدو حرمان الأسابيع والشهور الماضية في مهب الريح!
وتبًّا لهذا الجسد البغيض!
لماذا لا يتجاوب معي؟! لماذا يصرُّ على إزعاجي؟!
يا إلهي، ابنة جيراننا لا يتوقف فكُّها عن المضغ، ومع ذلك جسدها نحيف وقدُّها نحيل!
وتبًّا لهذه العضلات التي تقاوم بلا هوادة، تأبى أن تنتفخ فتسعد قلبي!
تدريب قاسٍ ساعة أو أكثر كل يوم أشهرًا عدة، والنتيجة تقترب من الصفر! يبدو أنني لن أصبح مثل أبطال كمال الأجسام يومًا، حتى الأحلام محرَّمة علي!
تذكَّر: المشكلة ليست في جسدك، المشكلة فيك أنت حين تبغض هذا الجسد!
لا تفترض طوال الوقت أن بإمكانك التزام القواعد الصحية في الغذاء أو الرياضة التزامًا تامًّ؛ فتجد نفسك في صراع يومي بين ما تشتهيه وما يجب عليك فعله ليكون جسدك كما تريد له أن يكون.
هذا الجسد الذي تسكنه قبل أن تُبث الروح في جنباتك، وهو ما مكَّنك من الوصول إلى ما صرت وتحقيق ما أردت، هل تحبه؟ هل تشعر بأنك مدين له بالكثير؟ أم تبغض شكله وسماته وتتمنى دومًا لو أنك سكنت غيره؟
لا تشغل نفسك بملاحظات الآخرين وتعليقاتهم على جسدك، وكأن جميع الأجساد الأخرى مثالية تراعي ضوابط محددة، لم يسر جسدك بمقتضاها، أحب جسدك كما هو، بالصورة التي خلقك الله عليها: لونك، وشكلك، وطبيعتك، ارضَ بما قسم الله لك، وكن على يقين بأن شكل جسدك وسماته ليسا الطريق التي تؤدي إلى السعادة والراحة في الدنيا.
اهتم بالجوهر لا بالمنظر، واسعَ إلى تتبع القواعد التي تحافظ بها على صحة هذا الجسد لا شكله!