أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، واستهان بها كثير من الناس، لا أَقصد حفظ الودائع وردها لأصحابها فقط، فالأمانة بمفهومها الشامل هي كل ما يحمله الإنسان من أمور دينه ودنياه قولًا وفعلًا.
وهي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه؛ يؤدي حق الله (تعالى) في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويؤدي ما عليه تجاه الناس، فهي شعور الإنسان بمسئوليته عن كل ما استرعاه الله (تعالى)عليه، فالرعيَّة أمانة في عُنق الإمام والرئيس، والأبناء أمانة في عُنق الآباء، والوظيفة والعمل أمانة في عُنق الموظفين والعمال، والتكاليف الشرعيّة أمانة، والعباد مسئولون عنها يوم القيامة، قال الله (تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27).
والأمانة معيار مهم جدًّا في اختيار الأشخاص لتولي مناصب وأعمال: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص:26)، والخيانة عكس الأمانة، وقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يستعيذ من الخيانة فيقول: "اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من الجوعِ؛ فإنَّه بِئسَ الضَّجيعُ، وأعوذُ بك من الخيانةِ؛ فإنَّها بِئسَتِ البِطانةُ"، فالجوع ضياع الدنيا والخيانة ضياع الدين، لذا قال أنس: "ما خطبنا رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) إلَّا قال: لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له"، وعندما طلب أبو ذر أن يتولى أمرًا من أمور المسلمين، قال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "يا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا".
ومن معاني الأمانة أن يتقن العامل أو الموظف عمله ويحرص على أدائه كاملًا قدر استطاعته، وألا يستغل منصبه الذي عُيّن فيه لجر منفعة شخصيّة له أو لأقاربه، فإنّ استغلال المال العام جريمة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "واللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدٌ مِنكُم شيئًا بغيرِ حَقِّهِ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ"، قال الله (تعالى): {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران:161).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: "كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟"، قَالَ: "إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".