أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم الجمعة (5 فبراير/شباط 2021) قرارًا يقضي بأن المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي لها الولاية القضائية على جرائم حرب أو فظائع ارتكبت في الأراضي الفلسطينية، وهذا ما يفتح المجال أمام تحقيق محتمل في الجرائم التي لحقت بالفلسطينيين، وذلك على الرغم من الاعتراض الإسرائيلي على قرار المحكمة، واتهامها بأنها هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية.
قرار المحكمة جاء استنادًا لقواعد الاختصاص القضائي التي وردت في وثائق تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، والتي لا تشمل أي محاولة لتحديد وضع دولة أو حدود قانونية معينة، لكون المحكمة غير مختصة بالتدخل في أي صراع أو نزاع على حدود، إنما فقط الاضطلاع بمسؤولياتها في النظر في الجرائم الدولية التي وردت حصرًا ضمن الاختصاص الموضوعي وهي "جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان"، إلا أنها يمكن أن توضح ولايتها على أقاليم تدخل ضمن اختصاصها وتكون معروفة ومحددة المعالم.
ومن ذلك ما قالته المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في ديسمبر/ كانون الأول 2019 إن هناك أساسًا معقولًا للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، وهذا ما يفتح الباب للتساؤل أيضًا حول كثير من المفاهيم والاختصاصات الخاصة بالمحكمة ومنها ماهية الاختصاص الإقليمي؟ وما الاختصاص الزماني للمحكمة؟ وكيف يمكن فهم ما يعرف بالاختصاص التكميلي؟
أولًا- الاختصاص الإقليمي:
حاولت الكثير من الدول جعل المحكمة ذات سلطة عالمية تختص في كل الجرائم الدولية التي تقع في أي إقليم أو دولة تقع فيها الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها بغض النظر عن عضوية هذه الدول من عدمه لدى المحكمة، لكن هذه المحاولات والجهود باءت بالفشل بسبب التدخل والمعارضة الأمريكية لهذا التوجه والذي يمكن أن يشكل لاحقًا ضررًا مباشرًا عليها وعلى حلفائها في المنطقة والعالم.
لذلك انتهت هذه الجهود بالتفاهم على عدة نقاط تحدد من خلالها طبيعة الاختصاص الإقليمي للمحكمة على أن تمارس سلطتها ضمن ظروف محددة وهي؛ إذا كان المتهم بارتكاب الجرم مواطنًا لإحدى الدول الأعضاء، أو إذا قبلت دولة المتهم بمحاكمته، أو إذا وقع الجرم المزعوم في أراضي دولة عضو في المحكمة، أو إذا سمحت الدولة التي وقع الجرم على أراضيها للمحكمة بالنظر في القضية، أو إذا أحيلت القضية للمحكمة من قبل مجلس الأمن.
ثانيا: الاختصاص الزماني
يمكن للمحكمة أن تنظر فقط في القضايا المرتكبة في أو بعد 1 يوليو 2002 لكون المحكمة تأسست في هذا التاريخ بمعنى أنها لا تختص بالنظر في القضايا والجرائم الدولية ما قبل تاريخ تأسيسها، كما أنها تقوم بممارسة دورها القضائي فيما يخص الدول التي تنضم لاحقًا بعد 60 يوم من تاريخ مصادقتها على الاتفاقية.
ثالثًا- الاختصاص التكميلي:
تمارس المحكمة الجنائية الدولية دورا تكميليا على أن تكون محكمة ملاذ أخير، بمعنى أن تمارس أعمالها في إطار التحقيق والمحاكمة في حالة فشل وتعذر قيام المحاكم الوطنية عن القيام بذلك، فقد نصت المادة 17 من نظام روما الأساسي على أن القضية ترفض في الحالات التالية؛ إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها اختصاص عليها، ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك.
وإذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها اختصاص عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة، وإذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى فلا يكون من الجائز للمحكمة اتخاذ إجراءات المحاكمة طبقا للفقرة 3 من المادة 20، وإذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تبرر فتح تحقيق فيها.
كما تناولت الفقرة 3 من المادة 20 على أن الشخص الذي يكون قد حوكم أمام محكمة أخرى عن سلوك يكون محظورا أيضا بموجب المادة 6 أو المادة 7 أو المادة 8، فلا يجوز محاكمته أمام المحكمة فيما يتعلق بنفس السلوك إلا إذا كانت الإجراءات في المحكمة الأخرى قد اتخذت لغرض حماية الشخص المعني من المسئولية الجنائية عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، أو أنها لم تجر بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفقًا لأصول المحاكمات المعترف بها بموجب القانون الدولي.
وهذا ما يبرر السلوك الإسرائيلي الذي يعمد إلى إقامة محاكم صورية لجنوده ومستوطنيه بغرض الالتفاف على أي محاكمات قد تنشأ لاحقًا، وحمايتهم في مواجهة إجراءات المحكمة الجنائية الدولية حتى يتم إسقاط الدعوات بذريعة أنهم خضعوا للمحاكمة على الجرائم نفسها.
ومن ثم يتعذر اتخاذ إجراءات ضدهم، الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين العمل على كشف وفضح محاولات الالتفاف والخداع الذي يمارسه الاحتلال من خلال المحاكمات الصورية، ويوجب على المحكمة العمل على عدم الاعتراف بإجراءات الاحتلال التي جاءت للهرب من الملاحقة ولقطع الطريق على عمل المحكمة.