أُرجح أنك لم تسمع باسم سامية عمر من قبل.. أليس كذلك؟ حسنًا! ما رأيك أن أخبرك بأنني لم أسمع باسمها أيضًا إلا حين شرعت أقرأ رواية لا تقولي إنك خائفة للروائي الإيطالي: جوزبه كاتو تسيلا.. وقد استغربت حينها، فلماذا يجعل الكاتب الإيطالي بطلة روايته عربية؟ بعد عدة صفحات من الرواية انتقلت إلى الإنترنت لأبحث عن أي شيء كُتب حول الرواية لتكون المفاجأة حينها: شخصية سامية عمر حقيقية، وقد كُتب القليل عنها!
في أحيان كثيرة عندما أتصفح المواقع الإخبارية أصادف خبرًا مفاده: غرق قارب مطاطي في البحر المتوسط قبالة السواحل الإيطالية أو اليونانية لمهاجرين أفارقة غير شرعيين.. كان الخبر يستوقفني قليلًا وأشعر ببعض الحزن خاصة إذا كان الخبر مرفقًا بصور لانتشال الجثث الغارقة، ولكني سرعان ما أنسى خاصة وأن الأخبار الكارثية التي تعج بأنباء القتلى والجرحى والمعتقلين تملأ كل مكان، لدرجة جعلت قلوبنا تتجمد ومشاعرنا تتآكل! فأنسى.. ولكن صار خبرًا كهذا يعني لي شيئًا مختلفًا.. فأتخيل تفاصيل الرحلة التي أوصلت هؤلاء للغرق في عمق مياه البحر، وقسوة الظروف التي دفعتهم لتلك المجازفة. وهنا تتأكد أهمية الأدب في أنه يروي حكاية أشخاص بعينهم بتفاصيلها الدقيقة فتصبح حكاية بشر عانوا الكثير، وليسوا مجرد أرقام دفعتهم أرحام ذات يوم إلى الحياة ونالوا نصيبهم منهم ثم مضوا لتبتلعهم الأرض أو مياه البحر!
سامية عمر، فتاة صومالية فتحت عينيها على الدنيا ولا ترى أمامها سوى حلم واحد لا غير.. أن تصبح بطلة عالمية في رياضة الركض.
في مجتمع فقير أنهكته الحروب والصراعات في مقديشو عاصمة الصومال، وفي حيٍّ فقير كما هو حال معظم أحياء المدن الإفريقية وخاصة الصومال.. ووسط أسرة تحنو جدًّا على أفرادها على الرغم من أنها لا تستطيع أن توفر لهم إلا أقل القليل من الاحتياجات المادية والطعام.. ووالد يؤمن بقدرات بناته وحقهن في العيش والإبداع وتتبع غريزة الحرية، يشجِّعهن ويوفر لهن أقصى ما يستطيع. هودان الأخت الكبرى لسامية تؤلف الأناشيد وتُنشد، وسامية تجري وتركض.. في هذا المجتمع نشأت سامية.. الفتاة النحيلة التي تمتلك في ساقيها قوة رهيبة وقدره باهرة على الركض لمسافات مكنتها من الفوز في مقديشو في سباق الماراثون ذات مرة، ونقلتها إلى مرتبة أعلى إذ مثلت الصومال في أولبياد جيبوتي.
شخص آخر شاركها مغامرات الطفولة وشقاوتها وشقاءها.. إنه علي.. ابن الجيران والأخ والصديق وابن الصديق العزيز.. الذي شاركها التدرُّب على الركض في البداية ولكنه اقتنع في النهاية أنه ليس عدَّاءً مثلها ولا يمتلك ساقين قويين مثل ساقيها، فاكتفى بأن يجعل من نفسه مدرِّبًا لها ومنظمًا لنشاطاتها. ثم انسلخ عنها إلى مكان آخر وجماعة أخرى بسبب اختلاف قبائلهم.
يُسهب الكاتب في وصف تدريبات سامية ووصف الماراثون الذي فازت فيه، والفرح العظيم الذي دخل قلب والدها لذلك.. وأناشيد هودان وطبخ والدتها المتواضع والتعاون بين أُسرة علي وأسرة سامية رغم الفقر الذي يجمع شملهما.
ولكن، عادة ما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.. يُقتل والد سامية قبل أن تمثل بلادها في الألعاب الأولمبية! وفي الألعاب الأولمبية في الصين سُلطت الكاميرات على اللاعبة النحيلة التي ترتدي ملابس الفقراء وكانت تركض في آخر الركب منذ بداية السباق لدرجة لفتت إليها الانتباه لضعفها وانعدام إمكاناتها مقارنة بالعدَّاءات الأخريات من جنسيات أخرى واللاتي تنضح الحياة واللياقة من أجسادهن وملابسهن الرياضية!
تخسر سامية في الألعاب الأولمبية وتعود إلى الصومال بعزم فائض على أن تتدرب وتقوي جسدها لتعيد الكرَّة لعلها تفوز بأولمبياد لندن بعد أربع سنوات.
تغادر أختها هودان مقديشو ذات ليلة هربًا من الحرب والقسوة والشعور بالذنب بأنها السبب في مقتل والدها فيها، وتصل إلى أوروبا لتشق طريقها إلى الحياة.. بعيدًا عن الحرب ومفرداتها.
تكتشف سامية بعد وقت أن صديق الطفولة علي هو قاتل والدها، وتغير هذه الحقيقة من قناعاتها وإصرارها على البقاء في بلادها، فتقتفي أثر أختها هودان وتقرر الرحيل.. ويمر بنا الكاتب في تفاصيل المآسي التي عاشتها في رحلة الهجرة حتى ركبت القارب المطاطي وأبحرت في عُرض البحر المتوسط.
وقبالة شواطئ إيطاليا، يحاصرهم خفر السواحل الإيطالي ويعتزم إعادتهم من حيث أتوا.. وحين تضيق الخيارات أمام سامية.. تقفز في عرض الماء لتتمسك بحبال النجاة لعلها تقبض على الحلم الذي عانت من أجله الكثير... لتكون نهايتها على أعتاب هذا الحلم!