عمر القاسم هو أول أسير فلسطيني يتجاوز العشرين عاماً في السجون الإسرائيلية، كان ذلك سنة 1988، السنة نفسها التي استشهد فيها عمر القاسم خلف القضبان.
وعبد الستار قاسم هو الأكاديمي الفلسطيني الذي تجاوزت مؤلفاته المتعلقة بالقضية الفلسطينية عشرين كتاباً، ولم يتوقف قلمه عن مقاومة الاحتلال حتى 2021.
وعلى الرغم من تباعد الأزمنة التي عمل فيها الرجلان ضد الاحتلال وأعوانه، وعلى الرغم من التباين في كيفية الوفاة لكل منها، فإن هنالك قواسم مشتركة بين الرجلين، منها ما يتعلق بالمواقف الثابتة من القضية الفلسطينية، أو القناعة بأحقية شعبنا في المقاومة، أو الثقة بالغد الناعم على الرغم من وحشية الحاضر. لقد آمن الرجلان بأن للحرية الحمراء بابا بكل يدٍ مضرجةٍ يُدَقّ، لذلك دقَّ الرجلان على باب حرية فلسطين بيدٍ تكبلها السلاسل، وأخرى تطلقها الرؤية الواثقة من المستقبل.
لقد عمل عمر القاسم مدرساً، قبل أن يحمل السلاح، ويقاتل المحتلين في شوارع القدس، وعمل عبد الستار قاسم معلماً قبل أن يحمل سلاح الموقف، والرأي الشجاع، ويقاتل المحتلين فوق أرض فلسطين، وفي كل ساحات المواجهة.
كان عمر القاسم يرفض الاعتراف بإسرائيل، ولا يقبل بكل فلسطين شريكاً، وحين زاره في السجن رئيس دولة إسرائيل إسحاق نافون رفض المساومة على حريته الشخصية مقابل شجب المقاومة والدعوة إلى التعايش، وهذه الشروط التي تم التوقيع عليها في اتفاقية أوسلو، مثلت منطلق رفض عبد الستار القاسم لاتفاقيات أوسلو، فالرجل يرفض الاعتراف بإسرائيل، ويرفض الشراكة بأرض فلسطين، ويرفض المساومة، ويؤيد مقاومة الاحتلال بكل أشكالها.
كان عمر القاسم قائداً لطابور الأسرى الذي يركض صباحاً في سجن عسقلان، وكان عمر القاسم يركض بقوة وعنفوان، في رسالة للسجان بأننا أقوياء، وأن السجن لا يكسر الإنسان، وكان عبد الستار قاسم قائداً لطابور الرافضين للهزيمة، عشاق المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان يتحدث بصوت الشعب الذي يأبى الانكسار.
كان عمر القاسم يحلم بالتحرر من الأسر، وكان يعلم أن هذه الحرية لا تتحقق إلا بحرية الشعب الذي ينتمي إليه، وكان عبد الستار قاسم يحلم بحياة أكاديمية هانئة آمنة مستقرة، ولكنه أيقن أن ذلك لا يتحقق إلا بحياة هانئة آمنة مستقرة لكل الشعب الفلسطيني.
تعرض عمر القاسم خلال مسيرته خلف الأسوار للاعتداء من المحتلين أكثر من مرة، وشارك في العديد من الإضرابات عن الطعام، وتعرض عبد الستار قاسم خلال مسيرته إلى عدة اعتداءات واعتقالات من المحتلين، ومن المنسقين أمنياً مع المحتلين.
كان عمر القاسم يخطط للغد، وكان يحدثني في سجن عسقلان عن المستقبل، وعن أحلامه وأمانيه بعد التحرر من الأسر، وكان مصراً إلى مواصلة مشوار المقاومة، وكان عبد الستار القاسم يخطط للغد، وحدثني قبل أسبوعين من وفاته عن أحلامه، وعن رغبته في خوض انتخابات الرئاسة، ومواصلة مشوار المقاومة.
كانت وفاة عمر القاسم خلف الأسوار مفاجِئة للأسرى، ومفجعة، وكانت وفاة عبد الستار قاسم مفاجِئة للشعب الفلسطيني، ومفجعة.
كانت جنازة عمر القاسم استفتاءً شعبياً على خط المقاومة، حيث شارك الآلاف من جماهير الشعب الفلسطيني، رغم أنف الاحتلال، وكانت جنازة عبد الستار قاسم استفتاءً شعبياً على خطه السياسي، حيث شارك في مراسم التشييع الآلاف من جماهير الشعب الفلسطيني، وقد حدثني النائب حسن خريشة عن مشاركة الضفة الغربية بكل مدنها وأطيافها السياسية، وأن وفوداً من هضبة الجولان، وأخرى من فلسطينيي الـ48 شاركت في التشييع، ولم يتغيب عن جنازة عبد الستار قاسم إلا من ينسق أمنياً مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويوم تلتقي الأرواح تحت ظل نجمة، وتتعانق، تهمس إحداهما في أذن الأخرى: ليت المنسقين أمنياً يعرفون أن للحرية الحمراء بابًا بكل يدٍ مضرجةٍ يُدَقّ.