دأبت دولة الاحتلال على ترديد مزاعم أنها "واحة الديمقراطية في غابة الدكتاتوريات العربية"، وأنها امتداد للمنظومة الحضارية الغربية، لكن سلوكها تجاه الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين عامًا، وانتهاكاتها المستمرة لحقوقهم، لم يجعلاها تتراجع عن هذه الفرية.
آخر الجرائم التي ترتكبها (إسرائيل) تمثلت فيما كشفته محافل حقوقية عن اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر التي ما زالت حاضرة فيها، وأصبحت الممرضات اللواتي يأتينها لمكافحة وباء كورونا إماء، وكذلك الرجال الذين يأتون للعمل في قطاع البناء محتجزون في ظروف عبودية، ويقيمون في ملاجئ لضحايا الاتجار بالبشر.
هناك العديد من الشهادات التي توثق وصول عشرات العاملات الأجنبيات إلى (إسرائيل) منذ نحو عام، بعضهن أجبر على العمل على مدار الساعة، دون أوقات راحة وإجازات، مع مشاهد الإذلال والجوع.
بعض العاملات القادمات من رومانيا لم يستطعن مواصلة العمل بهذه الظروف من العبودية، ما دفعهن لمركز الهجرة الذي ساعدهن بتقديم شكوى للشرطة الإسرائيلية، والاعتراف بهن ضحايا للاتجار بالبشر، ونقلن إلى ملجأ تابع لوزارة الرفاهية، ويخضعن لإعادة تأهيل عقلي ومهني مطول، وهذه الحالات تمثل نماذج فقط للعديد من القصص الأخرى للعمال الأجانب في (إسرائيل)، الذين ترتكب بحقهم فظائع.
كما كان قبل 15 عامًا، احتلت (إسرائيل) مكانًا سيئًا جدًّا على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للاتجار بالبشر، فلا تزال النساء يأتينها من أوروبا الشرقية لممارسة الدعارة، ويحتجزن في ظروف قاسية، وشقق مختبئة، وعلقن في هذه الحالة غير الإنسانية مدة غير محددة من الزمن، وما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تقدر بدقة عدد النساء والرجال والأطفال الذين يعيشون في ظروف العبودية في (إسرائيل).
منذ أزمة كورونا ساء وضع العمال الأجانب في (إسرائيل)، حيث أهملت حقوقهم، وظروفهم المعيشية، وهم قادمون من دول الفلبين والهند وتايلاند وسيريلانكا وأوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، ويعيشون في حالة من العزلة الاجتماعية، وهم يأتون للعمل في الزراعة والبناء والتمريض، لكن غالبًا ما يخدعهم أصحاب العمل الذين يعدونهم بترتيب تأشيرات عمل قانونية لهم، لكن هذا لا يحدث بالفعل.
أكثر من ذلك، إن العاملات المهاجرات يعانين التحرش الجنسي من أرباب عملهن الإسرائيليين، وبات الحديث عن جرائمهم الجنسية أمرًا مخزيًا، والأخطر أن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا حتى يلجأن إلى المساعدة، ويعترف بهن ضحايا للاتجار.
(إسرائيل) لديها اليوم ثلاثة أنواع من ظاهرة الاتجار بالبشر والعبودية: أولها النساء العاملات في مجال الدعارة؛ وثانيها العمال المهاجرون القادمون من دول أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا، وثالثها طالبو اللجوء من أفريقيا؛ خاصة إثيوبيا والسودان وإريتريا، كل ذلك يؤكد أن الشعور السائد بأن الحكومات الإسرائيلية تتعامل مع هؤلاء البشر بـ"دونية" يجعلها تصعد إلى قمة الترتيب في هذه الظاهرة المخزية.