المقاومة هي حركات المقاومة ضد (إسرائيل) وأساس مشروعية المقاومة أشمل عندي من الربط بين مشروعية المقاومة والاحتلال، فما دام الاحتلال قائمًا فالمقاومة مشروعة، لأن الاحتلال عدوان مستمر ويخالف الطبيعة المؤقتة والوقتية للاحتلال. واحتلال (إسرائيل) هو استرداد في النظرية الإسرائيلية ومن ثم صار الصراع وجوديًّا بين العرب و(إسرائيل)، فالمنطقة لا تحتمل الجسد والسرطان معًا ولا يمكن التعايش بينهما. وربط المقاومة بالاحتلال هو الذي أوقع حزب الله في إحدى المحن، لأن مزارع شيعا تعدها (إسرائيل) أراضي سورية لا علاقة لحزب الله بها، في حين يعدها حزب الله أراضي لبنانية، وتؤيد الأمم المتحدة نظرية (إسرائيل). ومعنى ذلك أن أساس مقاومة حزب الله وفق الربط بين الاحتلال والمقاومة، وعدم مشروعية الاحتلال هو الذي يسبغ المشروعية على المقاومة. لكننا نرى أساسًا أوسع وهو أن (إسرائيل) كيان مزروع غير شرعي وأن شرعيتها الوحيدة كانت قرار التقسيم الباطل بسبب انتهاكه لميثاق الأمم المتحدة، فهذا القرار تجاوز من الجمعية العامة لسلطاتها في الميثاق وفق نظرية ultra vires ومعنى ذلك أن (إسرائيل) التي قامت على أساس باطل وهي لا تعترف به أصلًا واتخذته مجرد محطة للقفز على فلسطين هي كيان يضر المنطقة بأسرها فأصبح لكل فرد في المنطقة مصلحة في محاربة هذا السرطان خاصة إذا علمنا أن (إسرائيل) تريد الاستيلاء على كل فلسطين وتحويلها إلى الكمنولث اليهودي أي بؤرة للكفر والأذى على جزء من أراضي المنطقة فمقاومة (إسرائيل) هي دفاع عن الطبيعة العربية للمنطقة ضد صهينة المنطقة، فالصهيونية بطبيعتها تناقض العروبة، كما أن سلوك اليهود لا علاقة له باليهودية، وهو يتماهى مع الصهيونية على نحو ما فصلنا في كتابنا حول "الإطار السياسي لقصة بني (إسرائيل) في القرآن الكريم"، الذي يصدر قريبًا.
فالمقاومة هي سلاح العرب لمنع الصهيونية عن طمس العروبة، وما دام اليهود قد لعنوا في القرآن الكريم وناصبوا رسولنا الكريم العداء مثلما أحرجوا موسى وقتلوا أنبياء الله وكذبوا رسالاتهم. فهم ضد الإسلام والمسيحية وأتباعهما. هذا المفهوم الواسع فهمته (إسرائيل) منذ البداية ولذلك سعت جاهدة حتى تدين المنطقة لسلطانها بصور مختلفة وبشرت كتاباتهم منذ عقود خاصة منذ صفقة كامب ديفيد بأن (إسرائيل) دخلت القرن الإسرائيلي الذي يتوج بإعلان فلسطين دولة اليهود وليس دولة يهودية.
ولا شك أن القضاء على المقاومة هو اقتلاع أهم عقبة في سبيل انسجام (إسرائيل) مع الحكام العرب واستقرار المشروع الصهيوني، ولذلك تضمنت صفقة القرن إزاحة المقاومة.
وللمقاومة جناحان: جناح لبناني هو حزب الله وجناح فلسطيني هو حماس وأخواتها ولكل محنته وخطة القضاء عليه.
أولًا: حزب الله: نشأ حزب الله في لبنان ليحرر بيروت من الاحتلال الإسرائيلي كأول عاصمة عربية تحتلها (إسرائيل) 1982 بعد استئناس الحكام العرب منذ صفقة كامب ديفيد وقرار العرب السلام مع (إسرائيل) كخيار استراتيجي وفصلوا بين قبول (إسرائيل) وبين الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة. فصار دور (إسرائيل) في تعيين الحكام واستمرارهم من معالم المنطقة، فانفك الحكام عن فلسطين واكتفوا بضمان عروشهم ولفلسطين رب يحميها. ويوم نشأ حزب الله كانت بيروت محتلة وكان الجنوب اللبناني محتلًّا منذ 1978 ويجب أن تنسحب (إسرائيل) بقرار مجلس الأمن رقم 421 لعام 1978 ووفقًا لنظرية المقاومة مقابل الاحتلال، كان لحزب الله شرعية مؤكدة التف حوله اللبنانيون العاجزون عن تحرير بيروت.
وقد واجه حزب الله محنًا كثيرة تكاثرت عليه مع كر السنين وتعقد الأوضاع.
المحنة الأولى أن إيران هي التي أنشأت حزب الله وتدعمه في وقت تخلي العرب عن القضية وبدأ الشقاق الإيراني السعودي الأمريكي منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران خاصة وأن إيران استعانت بالحزب في الرد على الولايات المتحدة، ثم جاءت المحنة الثانية يوم قررت إيران منافسة (إسرائيل) في المنطقة فكان الحزب هو ذراعها.
المحنة الثالثة أن الحزب عندما نشأ مسلحًا كان يعوض غياب الجيش الرسمى والدولة بسبب النظام الطائفي، فأصبح الحزب هو الرافعة للمكون الشيعي في المجتمع اللبناني وكان هذا المكون من قبله مستضعفًا، فصار الحزب رقمًا مهمًّا في السياسات الداخلية. ثم كانت المحنة الثالثة عندما تدخلت السعودية في السياسات اللبنانية ردًّا على نفوذ إيران ووقفت وراء المطالبة بنزع سلاح حزب الله وهو مطلب إسرائيلي مُلِح وخسارة لإيران وهو أمر مستحيل أن يتحول الحزب الذي نشأ مسلحا ومقاوما إلى مجرد حزب سياسي في بلد يرتبط كل حزب فيه بالميلشيات التي تسنده بحيث يكون الجيش اللبناني كيانا رسميا غير فعال. ثم ترتب على السجال حول سلاح حزب الله أن حاربت إيران بالحزب حلفاء السعودية في لبنان باستخدام قوته المسلحة، فأدرك الجميع أن سلاح الحزب ليس موجها فقط إلى (إسرائيل) وإنما من باب أولى لدعم مكانة الحزب في السياسات الداخلية. وهكذا جاءت المحنة الرابعة وهي أن (إسرائيل) والسعودية ألبت الوسط المعادي لحزب الله وزاد العملاء المستعدون لدعم (إسرائيل) نكاية في إيران وحزب الله.
وكان أمام الحزب فرصة كبرى يوم حرر جنوب لبنان وفرت أمامه القوات الإسرائيلية دون مقابل سياسي ونسق الحزب مع القوات السورية في لبنان بحكم التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران بعد خروج مصر من المعادلة بصفقة كامب ديفيد. ثم كانت المحنة الخامسة يوم توفي حافظ الأسد وخلفه بشار وانصبت الضغوط على سوريا لكي تتخلى عن خط المقاومة وحزب الله والتحالف مع إيران، لقطع الوساطة السورية السياسية والإقليمية والعسكرية بين إيران وحزب الله وأسفرت هذه الضغوط عن اغتيال الحريري لضرب الحزب وسوريا بحجر واحد، وأدرك الحزب ذلك فعمل على دعم سوريا كخط استراتيجي ثم كانت المحنة السادسة الأكبر خطورة يوم ورطوا سوريا في صراع محموم تديره (إسرائيل) وأمريكا والسعودية وتستعين بكل معارضي السلطة السورية والجماعات الإسلامية بحيث اضطر حزب الله إلى المشاركة مباشرة في هذه المعركة الكبرى كما اضطرت إيران فتصدت (إسرائيل) لكليهما في سوريا وصارت (إسرائيل) تحارب أعداءها على الجبهة اللبنانية والأهم على الجبهة السورية. وهكذا تحول حزب الله من المقاومة من لبنان إلى المقاومة من سوريا فصار له دور إقليمي، وهذا أزعج حلفاء السعودية في لبنان فصار لديهم حجة إضافية للمطالبة بحياد لبنان ونزع سلاح حزب الله بعد أن فشلوا في النص على ذلك في القرار 1701 الذي أعقب العدوان الإسرائيلي على كل لبنان في يوليو 2006.
فى اللحظة الراهنة يواجه حزب الله وإيران في سوريا ولبنان موقفا عصيبا منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتعاونت مع (إسرائيل) على إضعاف إيران بالعقوبات وقطع الصلة العسكرية بين إيران وحزب الله واغتيال القيادات الفاعلة في حزب الله وأهمهم الحاح مغنية في سوريا من أهم القيادات العسكرية للحزب، ثم رأس الحربة في المشروع الإيراني وهو قاسم سليماني في العراق وسوف يظهر التحقيق في انفجار مرفأ بيروت أنه امتداد للصراع بين حزب الله و(إسرائيل) ولذلك تصر فرنسا وواشنطن على التحقيق الدولي وسارعت باريس إلى اتهام حزب الله صراحة خاصة وأنها تضع الحزب على قوائم المنظمات الإرهابية.
لبنان والمنطقة مقبلة على حدث غير عادي حيث أعتقد أن (إسرائيل) قررت أن تخوض معركتها الأخيرة مع حزب الله ثم إيران وحماس حتى تفتح الطريق أمام التنفيذ الكامل لصفقة القرن.
أما محنة حماس فأخف كثيرا وتتمثل في إدراجها على قائمة الإرهاب العربية وضرب التمويل الإيراني وما يصيب حزب الله وإيران ينعكس مباشرة على حماس. فحماس هي الجناح الأسهل في المقاومة.