لو قيل لك إنَّ ملكًا أو رئيسًا ذكَرك في مجلس بالخير وأثنى عليك فماذا سيكون شعورك؟! فكيف إذا ذكرك مالك الملك؟! ربما تقول: ربُّ العالمين يذكرني أنا؟! نعم، يذكرك باسمك، يذكرك بتأييده ونصره وتوفيقه لك، أما قرأت قول الله (تعالى): {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (البقرة:152)؟ أما سمعت بالحديث القُدسي الشريف: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُمْ ...".
إنها حقيقة لا خيال وواقع لا مَجاز، ومع ذلك يُعرض كثير من الناس عن ذِكر الله (تعالى)، وهذا هو سبب الضنك والشقاء الذي يعيشونه ويكتوون بناره في الدنيا والآخرة، قال الله (تعالى): {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:124).
وذكرُ الله (تعالى) متعدد الأبواب، أهمها الصلاة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه:14)، والقرآن الكريم: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} (يس:69)، وذِكرُ الله (تبارك وتعالى) باللسان والقلب والجوارح: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (الأعراف:205)، فمن أعرض عن هذا فإنه يعاقب بالمعيشة الضنك في الدنيا فلا يكون منشرح الصدر ولا مطمئن القلب، وعند موته يضيق عليه قبره، أما يوم القيامة فإنه يُحشر والعياذ بالله أعمى.
قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"، فالذكر حياة الذاكرين، لما يُضفيه عليهم من النور، وما يصل إليهم من الأجر، أما التاركون للذكر فإن كان في ظاهرهم حياة فلا اعتبار لها، بل هم أشبه بالأموات، قال الله (تعالى): {أَوَمَن كَانَ مَيتًا فَأَحيَينَهُ وَجَعَلنَا لَهُ نُورًا يَمشَي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ منهَا} (الأنعام: 122).
ولا يكفي القليل من ذكر الله (تعالى)؛ فهذه صفة من صفات المنافقين (أعاذنا الله وإياكم)، قال (تعالى): {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:142)، بل يجب أن تبقى ألسنتنا رطبة من ذِكر الله لما له من فضل كبير وأجر عظيم، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟"، قالوا: "بلى"، قال: "ذِكْرُ اللَّهِ".
وذكر الله (تعالى) من أيسر العبادات، فهو لا يكلّف جهدًا ولا مالًا ولا مشقة، ولكن أين الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات؟!