ودَّع الساسة الإسرائيليون دونالد ترامب وهم يتذكرون له إنجازات كثيرة لصالحهم، لأن أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط نظرت إليه على أنه أضعف إيران، وقتل قاسم سليماني، وأنجز سلسلة من اتفاقيات التطبيع، ووضع علامة على "إسرائيل" باعتبارها محطة يجب على كل زعيم عربي عبورها إذا أراد الوصول إلى واشنطن.
الأمر لا يقتصر على "إسرائيل" فقط، بل يشمل عددًا من الدول العربية الحليفة: كالسعودية، والإمارات، ومصر، التي امتلكت فيها عائلة جيراد كوشنير ما يكفي من الأصدقاء، وبات غنيًا عن القول أنها ستتلقى معاملة أكثر برودة من واشنطن مما اعتادت عليه في السنوات الأخيرة، بسبب ملاحقتها للمعارضين السياسيين، والحرب في اليمن.
صحيح أن العلاقات الإسرائيلية الجديدة مع الدول العربية لم تكد تنضج حقًا بعد مع طي صفحة ترامب، لكن تل أبيب تأمل أن تصمد هذه العلاقة أمام الاختبارات القادمة في الطريق، فهي لها أولوياتها الخاصة في الموضوع النووي الإيراني، وباتت تلك الدول العربية أكثر توترًا بسبب التهديدات المباشرة من القدرة الصاروخية الإيرانية، ما قد يحفِّز تشكيل تحالف عربي إسرائيلي يحدد سوية الخطوط الحمراء للإدارة الأمريكية الجديدة.
هذا يعني أن "شهر العسل" الذي استمر أربع سنوات بين "إسرائيل نتنياهو" و"أمريكا ترامب" انتهى رسميًا، فالرئيس الجديد وطاقمه مصممون على العودة للاتفاق النووي الإيراني، ومنع اتخاذ إجراءات أحادية الجانب ضد الفلسطينيين، ما سيجعل أحد مداخل جسر خلافاتهما متوقفة على هوية المبعوث الأمريكي للقضية الإيرانية، ومن سيكون السفير الأمريكي في تل أبيب.
لا تشك تل أبيب في أن علاقة دونالد ترامب بها انتهت بتنصيب بايدن، وعلى الإسرائيليين أن يعتادوا على حقيقة وجود رئيس جديد في واشنطن لا يتفق معهم في القضيتين الفلسطينية والإيرانية، ما يعني نشوب خلافات كثيرة مع الإدارة الجديدة، رغم أملهم أنه بعكس حقبة باراك أوباما، سيتم حل هذه الخلافات في الغرف المغلقة.
لم يتضح بعد إلى أي مدى ستسعى إدارة بايدن لمحو إرث ترامب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، رغم إبقاء السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، وتواصل الاعتراف بها كعاصمة لدولة الاحتلال، لكن لا ينبغي للإسرائيليين أن يخدعوا أنفسهم، فلن يمرر بايدن إخطارات البناء في المستوطنات بصمت، ومثل هذه التصريحات ستعيد إدانات واشنطن التي اختفت خلال إدارة ترامب.
من المتوقع أن يدعم بايدن قضية التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، دون أن يكون مستعدًا لدفع الدول العربية لحيازة السلاح الأمريكي، ورفع العقوبات عنها، كما كان شائعًا جدًا في عهد ترامب، مقابل التطبيع مع "إسرائيل"، وتشير التقديرات إلى أن مصطلح "الاتفاقيات الإبراهيمية" سيُمحى بسرعة كبيرة في عهد بايدن.