سيكون يوم الثالث والعشرين من مايو 2021م يومًا مشهودًا في تاريخ الشعب الفلسطيني، إذا سارت الأمور بالشكل الذي يتمناه الجميع، دون أن يعكر صفو التوافق الوطني غبار تثيره أي جهة لا ترجو خيرًا لشعبا، في هذا اليوم ستعلن نتائج الاقتراع، وسيتشكل المجلس التشريعي الثالث للشعب الفلسطيني منذ قدوم السلطة الفلسطينية إلى أرض الوطن في عام 1994م، والمتوقع أن يكون هذا المجلس فسيفسائي التشكيل، وذلك لأن الانتخابات قد أُجريت ( إن قدر لها أن تُجرى على خير) وفقا للنظام النسبي، الذي يجعل حظًّا أكبر للفصائل الصغيرة في الفوز ببعض مقاعد البرلمان.
سأسطر في هذا المقال بعض العبارات التي هي أملٌ أكثر منها توقعات، ولكنها حسبما أظن تعبر عن أماني معظم أبناء شعبنا.
سينعقد هذا المجلس في جلسته الأولى برئاسة أكبر الأعضاء سنًّا وسكرتارية أصغر الأعضاء سنًّا، وذلك حسب النظام الداخلي للمجلس التشريعي، لاختيار هيئة المكتب للمجلس الممثلة بالرئيس ونائبه الأول ونائبه الثاني وأمين السر، وبعد إعلان نتيجة هذا الاقتراع الداخلي للمجلس، سيعتلي الرئيس المنتخب منصة المجلس، ويصبح رئيسًا للسلطة التشريعية، ليبدأ مشواره في قيادة هذا المجلس الثالث.
سيكون أمام هذا المجلس مهمة تاريخية شاقة وعظيمة، وتحتاج إلى جهد كبير من قبل رئيسه وأعضائه أولًا، ومن قبل الأحزاب والفصائل الفلسطينية ثانيًا، ومن قبل الشعب الفلسطيني ثالثًا، وكل فريق مطالب بمهام محددة وواضحة كي يكتب لهذا المجلس النجاح في مهمته.
أما مهمة الأعضاء وهي الأخطر، فمطلوب منهم أن يحفظوا أمانة الصوت والثقة التي منحها إياهم الشعب الفلسطيني، وأن يكونوا ممثلين عن جدارة لشعب عظيم يستحق تمثيلًا عظيمًا، فلا تضيق أعينهم وعقولهم وقلوبهم بضيق الحزبية المقيتة، ولا ينحازوا لمشاريع وأجندات لا تراعي مصالح شعبنا، ولا يكونوا أداة عمياء في يد قائد حزبي تسيطر عليه هواجس نبذ الآخر والعصبية الحزبية أو التنظيمية، بل ينفتح الأعضاء على الأفكار والآراء التي يبديها كل منهم، ويناقشون كل ذلك بقلوب وعقول مفتوحة، لا يتوخون إلا مصلحة الشعب الفلسطيني والشعب الفلسطيني فقط، ولا تكون عضوية أحدهم في المجلس مجرد منصب شرفي، يتفاخر فيه بين أفراد عائلته أو أقرانه بل هي أمانة تاريخية هو مسؤول عن أدائها أمام الله أولا ثم شعبه ثانيا.
ومطلوب من الفصائل والقوى الفلسطينية أن تكون عامل إسناد ونجاح لهذا المجلس، وذلك بالاتفاق على برنامج سياسي وطني يجتمع عليه الفلسطينيون، ويكون صوتهم للعالم، فلا يختلفون بشأنه، وهذا هو عامل النجاح الأهم في مسيرة المجلس الجديدة، وألا تكون الأجندات الحزبية الضيقة مكبلة لأعضاء البرلمان الممثلين لهذه الأحزاب والقوى، وأن تترك مساحة لعضو البرلمان ليمارس دوره ممثلًا للشعب وليس ممثلاً للحزب، فأمانة المنصب تقتضي ذلك، فمسؤوليته بمجرد انتخابه انتزعته من تمثيل الحزب وجعلته ممثلا للأمة بأسرها، وعدم القيام بهذا الدور والانكفاء عنه ليظل محصورا في إطار أجندة الحزب أو التنظيم (الضيقة) هو بلا شك خذلان للأمة التي يمثلها.
أما الشعب فهو مطالب بتشكيل حاضنة لهذا المجلس، لأنه خياره الديمقراطي، والمعبر عن إرادته، بعد كل هذه السنوات من تغييب الإرادة الوطنية له، والتفرد بالقرار دون الرجوع إليه وهو صاحب الحق الأصيل في السلطة، يمنحها بقدر وأمد محددين، ثم عليه أن يستردها إذا لم يجد فيمن فوضهم القدرة على القيام بشرف ومسؤولية هذه الأمانة التي منحهم إياها.
إن قدر للأمور أن تسير على هذا النحو، فأمام المجلس أعباء كثيرة وعمل دؤوب، وذلك من أجل ترميم سنوات طوال من الانقسام السياسي والتشريعي والإداري، وسيتولى هذا المجلس من ضمن ما سيتولاه، المهمة الأولى وهي تعديل القانون الأساسي، ليصبح دستورًا يليق بدولة وشعب فلسطين للانعتاق من قيود أوسلو وآثاره المدمرة على شعبنا، وستُعالج بعض المواد فيه لتحقق مبدأ الفصل بين السلطات، وسيادة القانون، واستقلال السلطة القضائية، وتأكيد شكل نظام الحكم البرلماني الواضح، دون تداخل بين صلاحيات الرئيس وصلاحيات الحكومة المنتخبة.
أما المهمة الثانية فهي منح الثقة للحكومة الجديدة، التي ستنبثق بالضرورة عن هذا المجلس، بعد المشاورات التي سيجريها قادة الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة الجديدة، وسينحصر دور الرئيس (رئيس دولة فلسطين)، بتكليف رئيس أكبر كتلة برلمانية بتشكيل الحكومة، ( وهذا عرف دستوري وليس نصًّا في القانون الأساسي)، ليبدأ هذا العضو بمشاوراته لمدة خمسة أسابيع يمكن أن تمدد لأسبوعين آخرين، ومن ثم سيقدم تشكيلة حكومته للمجلس، وسيتلو البيان الوزاري الذي سيعرض فيه رؤيته للحكم في الأربع سنوات المقبلة، وفي نهاية البيان سيطلب من المجلس منح حكومته المقترحة الثقة، وستحتاج هذه الحكومة المقترحة إلى 67 صوتًا بالحد الأني لنيل الثقة، وهي أغلبية 50% زائد واحد.
ستكون لحظة تاريخية إذا ما قرر المجلس منح الثقة للحكومة، لأنها ستكون أول حكومة شرعية منتخبة منذ أربعة عشر عاما خلت، وستنتهي حقبة تنازع الشرعيات، وسينسى الشعب الفلسطيني العبارات المقيتة التي لوثت أسماعه في فترة الانقسام، وكرهها حد التقزز (الحكومة الشرعية والحكومة غير الشرعية).
هذه الحكومة ستكون أمل الشعب الفلسطيني باستعادة اللُحمة بين شقي الوطن، أمله في علاج الآثار التي خلّفها الانقسام، وستكون مهمتها الأولى وضع البرنامج السياسي المتوافق عليه والمُتضمن في البيان الوزاري موضع التطبيق، لتخاطب العالم بلسان الشعب الفلسطيني الموحد، وستتصدى لمخططات الاحتلال عن طريق وحدة الموقف الفلسطيني، وستنسج العلاقات بما يتناغم مع البرنامج الوطني المراقب من السلطة التشريعية.
وسيكون على الأجندة الخارجية لهذه الحكومة بندان أساسيان، أما البند الأول: فهو الانعتاق الاقتصادي والأمني من مخلفات أوسلو. والبند الثاني: فهو التصدي لكل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وتحقيق الدولة الفلسطينية عن طريق الأجندة الوطنية المتوافق عليها.
أما أجندة الحكومة الداخلية فهي بلا شك أجندة مزدحمة ولا تقل أهمية عن الأجندة الخارجية، وسيكون أمام الحكومة الجديدة مهمة معالجة آثار الانقسام، بدءًا بمشكلة ازدواج المؤسسات الحكومية والموظفين، ومرورًا بمعالجة مشكلات البطالة، والركود الاقتصادي، والارتقاء بالخدمات الصحية وجودة التعليم، وليس انتهاءً بمشكلات الحياة اليومية للمواطنين من توفير الكهرباء والمياه النقية ومشكلات البنية التحتية، ستكون مهمة عظيمة ملقاة على كاهل هذه الحكومة، وستكون بحاجة إلى دعم كل الفصائل والقوى الفلسطينية، لتستطيع أن تمر بالشعب الفلسطيني إلى بر الأمان بعد كل هذه السنوات من التشظي والانقسام، فهل تتحقق هذه الأماني؟