الأم "سناء": الآباء لا يعملون بحكم الاستضافة.. وأمٌّ أخرى: والد طفلي يضربه إن اشتاق لي
"سارة" أم لطفل: طليقي استغل جائحة "كورونا" وطالبني بالتنازل عن القضايا المالية
"حنين" بعدما أتمت ابنتها 10 سنوات وذهبت لوالدها: "كانت في أمسِّ احتياجها إليَّ"
النائب "الغول": نجد صعوبة في حسم الأمر لوجود رأيين متكافئين ونسعى لصياغة القانون
د. الجوجو: الحل بالمواءمة بين الحقين بزيادة المشاهدة عند رفع سن الحضانة
المحامية الطيبي: الأمهات المطلقات يطالبن برفع سن الحضانة لـ15 عامًا كما هو بالأردن
غزة/ يحيى اليعقوبي:
"منذ بداية الجائحة لم أستطِع مشاهدة أو استضافة أولادي الثلاثة، لم أستطِع حتى مكالمتهم أو مشاهدتهم عبر الفيديو على الإنترنت (...) حاولت بكل الطرق والوسائل وتواصلت مع المؤسسات المعنية بحقوق الطفل، مع دائرة الأسرة والطفولة، لكن كان طليقي يرفض التعاون"، هكذا مرت أيام الجائحة على سارة (اسم مستعار) تتجرع مرارة البعد عن أطفالها، وحرمانها مشاهدتهم، لتفتح من جديد جراح أمهات يطالبن برفع سن الحضانة.
لكن لم يكُن الحرمان فقط ما سبق، بل كان شوقها لأطفالها فرصة لمساومتها، في كل مرة تطلب منه وديًّا التفاهم مطالِبًا إياها بالتنازل عن القضايا المالية التي بينهما والتي حصلت على حكم فيها، لم يكُن ما حدث المرة الأولى، ولكن استغل طليقها الجائحة لـ"يتمادى في حرماني أكثر فأكثر".
تنهدت وفي كلامها رحلة ألم: "دُمِّرت نفسيتي.. فقد اشتقت لأولادي كثيرًا، لم أرَهم مدة 45 يومًا وانتظرت بدء التنفيذ بالقوة الجبرية كي أشاهدهم وأستضيفهم".
أمهات مطلقات طلبن عدم الكشف عن هوياتهن روين لصحيفة "فلسطين" قصصًا "عصيبة" في أثناء الحضانة، يتعلق أبرزها في عدم تحصيل النفقة، ومعاناتهن في مشاهدة واستضافة أولادهن عند انتقال الأولاد لأبيهم (بعد انتهاء حضانة الأطفال عند أمهاتهم) فتُفرض قيود وشروط عليهن على الرغم من حصولهن على أحكام قضائية تحدد أوقات استضافة محددة، وتضطر للجوء إلى التنفيذ عن طريق الشرطة، ما يحملها عبء مصاريف الإجراءات القضائية؛ كما يقلن.
من الأمور الأخرى، تحكم طليقهن أو أهله بمكان مشاهدتها لأولادها وإجبارها على التنازل عن حقها في الاستضافة وتكتفي بمشاهدتهم، أو هرب الطليق بالأولاد من مكان لآخر حتى لا يعرف مكانهم وحرمان الأم من رؤية أولادها، تهديد الأم بحرمانها من أولادها من خلال سفر الأولاد إلى خارج القطاع دون علم الأم. كما ذكرت الأمهات.
"لم يكن ضامنًا"
"كلمة معاناة قليلة أمام ما عانيته من نصوص أراها جائرة في القانون بحقي وحق أبنائي، فمن ذاقت آلام الحمل ومخاض الميلاد وعناء تربية صغارها يحكم لها القانون بساعتي مشاهدة، واستضافة كل أسبوعين ٢٤ ساعة! لم أجد في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية نصًّا يقول بأن الأم نصيبها بأبنائها هكذا فهذه البنود أعدها غير منصفة بنا ولا بأبنائنا"، وفق قول سناء (اسم مستعار).
الحكم الذي تمتلكه وهو استضافة أبنائها كل أسبوعين ٢٤ ساعة تقول عنه: "لطالما امتلكته الكثيرات مثيلاتي ولكن لم يكن ضامنًا لنا لمشاهدة أبنائنا"، تعلق وفي حديثها مسافة طويلة من المعاناة: "هناك الكثير من الآباء لا يعملون به ويضربون به عُرض الحائط لأنه ليس هناك رادع قانوني لأمثالهم".
تنبش في تفاصيل معاناة الأمهات المطلقات، قائلة: "حين تذهب الأم بالوقت المخصص لاصطحاب أطفالها قد تجد طليقها فارًّا بهم لمكان آخر حتى يمنعها من مشاهدتهم وترجع خائبة للقضاء (...) أُعاني أنا والكثير من الأمهات المعنفات بأولادهنَّ من هذا الموقف الذي تكرر مع الكثيرات أمثالي".
بعد رحلة من المعاناة، الألم، والقهر، سبقها عملية زراعة للطفل والنوم بالمشفى قبل شهرين من الميلاد، وبالكاد أُنقذت حياة أحلام (اسم مستعار) هي وطفلها عند بلوغه الشهر الثامن، ربما تأملت أن ترى من يكفكف جراحها ويثمن تعبها ويبارك لها مولودها ويشعرها ولو بجزء بسيط من الأمومة وتكوين العائلة.
لكن كانت الصدمة أكبر بعد ذلك عندما طلب الأب منها تسجيل طفلها باسم زوجته الأولى، التي (لم تنجب طفلًا ذكرًا)، كان الطلب تحت مبرر: "أنت لسة صغيرة، وبتنجبي غيره"، ولما رفضت الأم ذلك العرض الذي يريد "قتل أمومتها"، بدأت المشكلات والتهديد بالطلاق، الذي حدث بالفعل.
بعفوية تقول: "بالمختصر طليقي لو شاف إنو القانون كان رادع على أفعاله لما وصل بيه الحال إلى تدمير النسيج الأسري ويحرمنا أنا وطفلي من أبسط حقوقنا ألا وهو الاستقرار الاسري والنفسي".
"انتزاع من بين الأحضان"
"معاناتي لا توصف بسطور وكلمات متناسقة، فحجم الألم والقلق لا يمكن أن يوصف، فأنا أم في أي لحظة سينتزع ابني ذو الست سنوات من بين أحضاني في الوقت الذي يحتاج إليَّ فيه حيث الرعاية والاهتمام والنظافة ومتابعة دراسته إلى عالم سيتعامل معه على أنه كبير، إن أخطأ سيعاقب ويمكن أن يصل العقاب إلى حد لا يعلمه إلا الله"، مطالبة بقانون "يحفظ حقوق المرأة والطفل من أن ينتزع من أمه في أشد الأوقات احتياجه إليها".
تنازلت هذه الأم عن كامل حقوقها وحقوق طفلها من نفقة مقابل أن تحصل على حريتها: "لم أحرم والده من مشاهدته وفي كل مرة يشاهده يعاقبه بالضرب لو قال اشتقت لأمي رغم أنه في حضانتي (...) عبارة تعتصرني ألمًا (عندما أضمه لحضانتي لن تشاهديه أبدًا)، فأطالب بتطبيق قانون حضانة الطفل إلى أمه إلى سن الخامسة عشرة من عمره ويخير بين أمه وأبيه هذا أبسط حقوق الأم والطفل" تقول الأم.
حنين (اسم مستعار) ذهبت ابنتها إلى حضانة والدها بعدما أتمت 10 سنوات، "طبعًا طول الفترة الماضية انا اللي بصرف وبربي وأبوها مش مدور ويا دوب الثلاثين دينار كل شهر وبعد ما ابعت ألف مرسال عشان يبعت مصروفها" انطلقت كلماتها بعفوية مثل رصاصة غاضبة تخرج من فوهة بندقية.
تسمع صوت القهر بين ثنايا كلماتها: "معاناتي اني بكفيني قهر وحسرة اللي انا فيها كيف بعد ما ربيت وتعبت 10 سنين وموقفة حياتي ومش راضية اتزوج ولا اعمل اي شي بمستقبلي وكل شي بقول بنتي أولى بوقتي وجهدي وبالآخر بيقلي هاتيها وهي لساها صغيرة طفلة محتاجة امها ورعايتها واهتمامها".
"أتدري؛ ابنتي في المدارس تنتظر زوجة عمها لتمشط شعرها، أو تعد لها ساندويش".
اليوم تصل ابنتها لسن العاشرة، ولا يسمحون لها بالحديث مع طفلتها إلا مرة واحدة، أو يرد شخص على طرف سماعة الهاتف، يخبرها أن ابنتها ليست في البيت؛ وفق إفادتها.
من جهتها تقول المحامية الشرعية ناهد الطيبي، إن هناك سيدات مطلقات يعانين إذا أردن رؤية أطفالهن، موضحة أن المادة (118) في قانون "العائلة" تنص على أن الابن الصغير يبقى في حضانة أمه للذكر سبع سنوات، وللأنثى تسع سنوات، على أن تمدد المدة لعامين إضافيين حسب نصوص المادة (391) في قانون الأحوال "الشخصية"، فتصبح الحضانة للذكر حتى تسع سنوات، وللأنثى حتى 11 عامًا، علمًا أن قانون "الطفل الفلسطيني" يحدد عمر الطفل لمن دون 18 عامًا.
وتبعًا لحديثها مع صحيفة "فلسطين"، جرى تعديل قانون الأحوال الشخصية المطبق في غزة بعد الحروب العدوانية التي شنَّها الاحتلال والذي تركت العديد من النساء الأرامل لكن (التعديل لم يشمل حضانة المرأة بشكل عام بل اقتصرها على الأرملة فقط التي حرمت نفسها من الزواج وجاء ذلك في قرار رقم "1/2009) وفرغت نفسها لتربية أطفالها.
وحسب إحصائيات نشرها ديوان القضاء الشرعي في قطاع غزة، فإن عدد حالات الطلاق بلغ عام 2019 (3216 حالة طلاق)، وبلغ عام 2018 (3171 حالة)، في حين بلغت حالات الطلاق عام 2017م (3255 حالة طلاق).
"أمر اجتهادي"
وفق رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الدكتور حسن الجوجو، فإن "سن الحضانة" أمر اجتهادي ليس فيه نص قطعي لتحديده، يخضع للمصلحة الفضلى للطفل باعتبار أن الحضانة فيها ثلاثة حقوق، الأول طالب الحضانة والثاني حق الحاضن، والثالث حق المحضون (الطفل الصغير).
ويقول الجوجو لصحيفة "فلسطين": إن" القوانين الناظمة للحضانة هي: قانون الأحوال الشخصية الذي أقر زمن الحكم العثماني لفلسطين على مذهب أبي "حنيفة النعمان"، وقانون "حقوق العائلة" لسنة 1954م".
ويضيف: "هناك أصوات من المجتمع المدني ومؤسسات أخرى نادت برفع سن الحضانة، وعقدت ورشات من أجل الاستفادة من القانون الأردني الذي يمنح الأم النسبية للطفل حضانة الطفل خمسة عشر عامًا ويمنح عشر سنوات لغير الأم، ويعطى المحضون الحق في الاختيار بعد بلوغ السن المحددة فقط بالنسبة للأم".
ويتابع الجوجو: "رفعنا توصية للمجلس التشريعي من أجل دراستها إذا كان يمكن اعتمادها لكونه صاحب اختصاص التشريعي ويمكن أن يرسل لنا مشروع قانون وننتظر ردًّا من التشريعي، وحتى اللحظة لم تعرض القضية رسميًّا على المجلس".
يستدرك: "لكني على صعيدي الشخصي وبعض أعضاء المجلس نؤيد مطالبات رفع سن الحضانة، لأننا بعد دراستنا للكثير من القضايا وجدنا أنه في هذا الوقت تكون البنت بحاجة أكثر لأمها لأسباب موضوعية معروفة، وتمديد سن الحضانة للأم أفضل، خاصة أننا مددنا سن الحضانة للأم الأرملة التي حبست نفسها (تفرغت) لحضانة الأولاد".
"هناك حديث نبوي واضح، أتت امرأة لرسول الله وهي مطلقة وقالت له: (يا رسول الله إن زوجي هذا طلقني ويريد أن ينتزع ابني مني، فقال النبي: أنت أحق منه ولم تنكحي)، فالحديث واضح بأحقية الأم للصغير ذكرًا أو أنثى ما لم تنكح" يقول رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
من الحلول الممكنة تنفيذها، وفقًا للشيخ الجوجو، زيادة فترة الاستضافة للطرف الآخر في حال رفع سن الحضانة إلى خمسة عشر عامًا، أو أن تكون الحضانة مشتركة ولكن هناك صعوبة في هذا الأمر على المحضون في تحصيله المدرسي واستقراره النفسي، مرجحًا أن الحل الأنسب المواءمة بين حقي الأب والأم، فإذا تم رفع سن الحضانة أن يتم معه زيادة فترة المشاهدة "فمن حق الوالي (الأب) متابعة ولده الصغير".
المجلس التشريعي
من جانبه يقول رئيس اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي النائب محمد فرج الغول: "ما زال موضوع رفع سن الحضانة في أروقة المجلس التشريعي وهناك رأيان متكافئان له بين معارضة ومؤيدة".
ويكشف الغول لصحيفة "فلسطين" أنه جارٍ العمل على إعداد مشروع أصول المحاكمات الشرعية ومشروع قانون الأحوال الشخصية الذي من ضمنها موضوع رفع سن "الحضانة"، وما زالت الدراسة مع الجهات المختصة وخاصة محكمة القضاء الشرعي والقضاء النظامي مستمرة، لوجود تضارب ببعض المواد فيما بينها، ويحتاج لحسم من خلال لقاءات وورشات عمل.
ويشير إلى أن هناك ورشة عمل قريبة في حال جرى حل نقاط الخلاف حول المواد المتضاربة سيكون هناك تقديم لمشروع قانون للمجلس التشريعي، مؤكدًا أن الرأيين؛ المعارض لرفع سن الحضانة وله حجة فهو الأولى بعد ما يصل المحضون لتسعة أعوام أو أحد عشر عامًا في أبعد الحدود بأن يكون الفترة الثانية عند والده، والرأي الآخر أن يبقى في حضانة أمه ما دامت حبست نفسها لأولادها، وعليه فـ"الوضع محتاج لحسم وحسمه فيه نوع من الصعوبة لنظرًا لتكافؤ الرأيين".