شهدت الآونة الأخيرة تغييرًا في نظرة الإسرائيليين إلى جيشهم، الذي نادرًا ما يحظى بانتقادات داخلية، مع تواتر التقارير بشأن أدائه المتراجع: داخليًّا وخارجيًّا، وعدم انخراط المتدينين الحريديم في صفوفه، فضلًا عن التنبؤات بفشله في الحرب القادمة، واستمرار إطلاق البالونات الحارقة من غزة، كلها أسباب أدت إلى تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي بجيشه.
حصل هذا التراجع مع أن الجيش حافظ في العقود الأخيرة على نسبة ثقة عالية جدا تزيد على 93% في المتوسط، لكن المؤشرات الإسرائيلية الجديدة أظهرت أن الثقة بالجيش تنهار لأدنى مستوى، وبلغت 81% مقارنة بـ90% في الفترة نفسها من 2019، وهي النسبة الأدنى منذ 2008، بسبب فشله في حروب لبنان وغزة، ما يطرح السؤال عن سبب فقدان الإسرائيليين الثقة بالجيش.
هناك أسباب تُطرَح لهذا التراجع أهمها الدور السلبي للمتحدث العسكري الذي أجرى تغييرا في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بإدارة استراتيجيته الإعلامية، نحن أمام مؤسسة ضخمة تضم 700 جندي، وحتى 2017 حظي الجيش عبر متحدثه العسكري بجرعة دسمة من التغطية الصحفية، وتنقل الصحفيون بين الشمال والجنوب، وحصلوا على تغطية كاملة لنشاطات الجيش، ما ساهم مساهمة كبيرة بتعزيز ثقة الجمهور به.
ولكن سرعان ما طرأ تغيير سلبي على تغطية فعاليات الجيش، فزادت المقالات السلبية، وانخفض الموقف الإيجابي، وتخلى الضباط عن لقاءات الصحفيين، لأنهم فقدوا الثقة بهم، وما زال الصحفي الإسرائيلي الذي يريد دخول قاعدة عسكرية، يواجه عقبات أكثر من الماضي.
سبب آخر لتراجع الثقة بالجيش يتعلق بتزوير بيانات تجنيد الحريديم، لأن الجمهور الإسرائيلي لم يتسامح مع التعتيم والتضليل الذي مارسته قيادة الجيش ببياناتهم، لأنه عدّها استغفالًا له، وشعر أن هناك شيئا ما خطأ، لأن الجيش فشل في تقديم الواقع الذي من المفترض أن ينعكس في البيانات، وثبت للإسرائيليين أن المؤسسة العسكرية تغشهم، والنشوة التي اشتراها الجمهور للجيش تلقت ضربة قاسية.
يتعلق السبب الثالث بما يوجهه عدد من كبار الجنرالات لأداء الجيش المتراجع، وهزت تقاريرهم الدولة بأكملها، لأنه وقف في وجه المؤسسة العسكرية، ونشر تقارير مفزعة عن الاستسلام والصمت داخل الجيش، وانكشافه، وتراجع ثقة الجمهور به بعد حربي لبنان الثانية 2006 وغزة الثالثة 2014، لعدم استعداد الجيش لها.
عامل رابع يتعلق بإشعال الطائرات الورقية والبالونات الحارقة في غزة، حيث اختار الجيش تجاهلها، بزعم أنها لا تشكل خطرًا وجوديًّا عليه، ومع انتشار الصور اليومية للحرائق في آلاف الأفدنة المشتعلة في مستوطنات غلاف غزة، ألحق الجيش بصورته أضرارا كبيرة، وعلى الرغم من محاولته تفسير منطقه للإسرائيليين، لكن يبدو مرة أخرى أنه فات الأوان، ووصفه العديد من مستوطني الجنوب بأنه كاذب ومخادع!