المراسيم الرئاسية بإجراء الانتخابات الفلسطينية الثلاث التي أصدرها الرئيس محمود عباس بعد 16 عامًا من الانتظار لم تحلّ الخلاف، بل جعلت التهرب من تنفيذ الاستحقاق وتوفير متطلباته مسألة ليست سهلة على أي فصيل كما السابق.
تنتظر الفصائل الفلسطينية في القاهرة مهمة تفكيك ما وصفناه في وقت سابق بـ"أفخاخ المصالحة"، ونذكر منها مثلًا ملفي الموظفين والأمن في قطاع غزة، إلى جانب المسائل القانونية ذات الاختصاص.
توجد خطورة في ارتهان أي تقدّم في الحالة الفلسطينية بمرونة جديدة تبديها حركة حماس فقط، وهذا على قيمته الوطنية قد يعطي في المقابل صورة سلبية بأنها المعطل الأساسي، رغم أنه في حالتها تبدو مطمئنة إلى حقيقة أنها لم تعد "حماس 2006"، وأن مرونتها هي اجتهاد في دائرة المسموح، وليس الذي يعارض المبادئ، كما لا يليق بها اليوم رفض الضمانات الدولية التي أجمعت على موقعها الأساسي والمؤثر في الحالة الفلسطينية، ويبقى أن نرى فقط نهاية هذا التقدير.
لا يمكن إخفاء التوجس من هذه الخطوة، على ضرورتها وطول انتظارها، بناء على العلم بنيات السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وحاجتهما الحقيقية لهذه الانتخابات في تجديد الشرعية المطلوبة للتحرك بحرية تحت غطاء شرعي وشعبي، واستباق اشتراطات تفرضها ميول سياسية ودولية معلومة.
فكرة أن تحدث الانتخابات بدفع خارجي تعني ضمن أخطر دلالاتها أننا منزوعو السيادة، وهذا يعني أيضًا أن استمرار الانقسام الفلسطيني كل هذه المدة كان بقرار خارجي، مثلما حان على ما يبدو وقت إنهائه أو إدارته لأسباب خارجية كذلك، بطريقة غير مضمونة ولا مكفولة، وهي الانتخابات.
انشغال المؤثر الخارجي قاد غالبًا إلى هذه النتيجة، والإشارة هنا تحديدًا إلى (إسرائيل) غير المستقرة داخليًّا والمقبلة على انتخابات رابعة في غضون عامين فقط، إلى جانب المجتمع الدولي المنشغل بأزماته، ومراقبة أزمة الانتقال السلمي للسلطة في الولايات المتحدة التي ليست بمنأى عن تأثيراتها، بصورة تحوّل معها إلى عامل دفع نحو التراجع عن الانقسام لا تمويله.
وقد تبدو هذه فرصة يلزم استثمارها فلسطينيًّا لمواكبة هذه التحوّلات بصدق ورغبة في الإصلاح والتحديث، وأن نكون جزءًا من الحدث أو الحدث نفسه، بتحقيق توافق وطني ومصالحة وفق قواسم مشتركة، في البرامج السياسية بالحدّ الأدنى، ومصلحة المواطن في حدودها القصوى.
يلزمنا انتظار ما ستقرره حوارات القاهرة التي ستعقد مطلع فبراير المقبل، وما سيقرره التوافق من عدمه بشأن الملفات العالقة، تحديدًا ملف الموظفين الذي لن يكون من الحكمة تركه للحكومة المقبلة كي تقرر بشأنه، فمثلما قرر أبو مازن على عجلة تصويب أحوال موظفي السلطة بغزة ومخصصاتهم المالية، هو استحقاق يرجوه كل موظفي حكومة غزة السابقة.
تنتظرنا شهورًا حاسمة ستشهد حدّة بالغة في الطرح وحديثًا بصوت مرتفع، وسيكون عنوانها مواطنًا نضجت كل الظروف والمتغيرات لمصلحته في النهاية، وهو في هذه الحالة متأهب وواعٍ ومتحامل، سينصب محكمته الخاصة، ويقاضي الجميع.