لا تزال التعديلات الخاصة بالسلطة القضائية التي أقرّها رئيس السلطة محمود عباس، تشكل ضربة قاسمة لاستقلالية القضاء الفلسطيني وعمله، وسط نداءات متواصلة من المؤسسات القانونية والحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني بوقفها.
وتعد تعديلات عباس للسلطة القانونية تغولا وانتهاكا لاستقلال القضاء، وإعادة صياغة مصالح المتناحرين على تبوّؤ قيادة دفة القضاء خارج إطار القواعد الدستورية التي أرساها القانون الأساسي الفلسطيني وما تضمنته بعض النصوص، وفق نقابة المحامين.
وفي الأيام الماضية، أصدر عباس قرارا بقانون عدّل بواسطته قانون السلطة القضائية، حيث أجاز التعديل لمجلس القضاء الأعلى إحالة أي قاضٍ إلى التقاعد، إذا كان لديه خدمة مقبولة للتقاعد مدتها 15 سنة، وإذا كانت أقل من ذلك في حدود 10 سنوات أو أكثر يحال إلى الاستيداع لإكمال مدة التقاعد.
وجاء في التعديلات تشكيل محاكم نظامية جديدة، وإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وترقية عددٍ من قضاة البداية إلى قضاة استئناف، وإحالة ستة قضاة إلى التقاعد المبكر بناءً على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.
نقابة المحامين عدّت في بيان لها أول من أمس، تمرير القرارات بقانون بحق السلطة القضائية، مقدمةً لتمرير ما عداها من رزمة قرارات بقانون ستُجهز على ما تبقى من استقلال للقضاء.
وقررت النقابة مقاطعة مجلس القضاء الأعلى المشكل بالقرار بقانون رقم 40 لسنة 2020 بعدِّه مجلسا غير شرعي.
ودعت النقابة إلى تعليق تحذيري شامل للعمل طيلة يومي الأربعاء والخميس القادمين، أمام جميع المحاكم والنيابات العامة وجميع المؤسسات العامة، واعتصام المحامين داخل مقرات المحاكم بالزي الرسمي في اليومين المذكورين من الساعة التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء؛ احتجاجا على تلك التعديلات.
الأمين العام للمجلس التشريعي د. نافذ المدهون أكد أن قانون السلطة القضائية له خصوصية عن باقي القوانين، وأي تعديلات في السلطة القضائية يجب أخذ رأي القضاة فيها، لكونهم يشكلون حصانة للقضاة والعدالة في فلسطين.
وعدّ المدهون في حديثه لصحيفة "فلسطين" التعديلات التي أقرها عباس بشأن السلطة القضائية مخالفةً للقانون الأساسي الفلسطيني، وضربةً قاضية للعدالة في فلسطين، وتعديا واضحا على السلطة القضائية.
وأضاف أن رئيس السلطة جمع بين التشريع والتنفيذ، وهو ما يعني مخالفة واضحة لمبدأ الفصل بين السلطات، كما أن صاحب الاختصاص في هذا الملف هو المجلس التشريعي.
وتابع أن "الكارثة عندما يصبح رئيس السلطة هو الذي يشرع وينفذ ويعين الحكومة، ويضع قانونا للقضاء وتنظيم أعمال المحاكم، بما يشكل تعديا على حصانات القضاء بأحكام لها علاقة بالتقاعد المبكر، وإقالة بعض القضاة".
وأشار إلى أن المجلس التشريعي القادم سينشغل 4 سنوات، وهي مدته القانونية، في مراجعة وتعديل قرارات بقوانين أصدرها رئيس السلطة تجاوزت 200 قرار بقانون.
من جانبه أكد أمين سر جمعية نادي القضاة الفلسطينيين القاضي فاتح حمارشة، أن المادة 100 من القانون الأساسي أوجبت أخذ رأي مجلس القضاء بالقوانين ذات الشأن القضائي.
وقال الحمارشة لـ"فلسطين": "رغم ما جاء في مواد القانون، يتذرع مجلس القضاء برفض التعليق بأن وظيفته تطبيق القوانين وليس التعليق عليها، وذلك خلافا للنص السابق".
وأضاف أن المجلس يقدم هذه الذريعة المخالفة للدستور، لأن هذه القوانين فُصِّلت على مقياس القائمين على الإدارة القضائية غير الشرعية، ومنحتهم امتيازات مخالفة للقانون يريدون أخذها دون إزعاج ولو على حساب استقلال القضاء.
وشدد على أن الفصائل الفلسطينية يجب عليها الدفاع عن قيم العدالة والديمقراطية والحرية التي تتجاوزها القرارات بقوانين.