قبل عام من هذا التاريخ، وبالتحديد في 7/1/2020 رفض الرئيس الفلسطيني إصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وقال: إنه لن يصدر مرسوم الانتخابات قبل أن يضمن الموافقة الإسرائيلية على إجراء الانتخابات في القدس!
فهل ضمن الرئيس موافقة (إسرائيل) على إجراء الانتخابات في القدس فأصدر مرسومه الرئاسي بتاريخ 15/1/2021، بعد عام واحد من إعلانه عن ذلك الشرط التعجيزي؟
إسرائيل لم تغير موقفها من القدس، ولن تغيره، والذي تغير هو جملة من المعطيات السياسية والتنظيمية على الساحة الفلسطينية والعربية، فرضت نفسها على القرار الفلسطيني، وعلى السيد محمود عباس نفسه، الذي اضطر لأن يوقع على المرسوم الرئاسي بيده اليمني، وهو يلوح للاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية الجديدة بيده اليسرى، مستجيباً لمطالبهم بتجديد الشرعيات كشرط لمواصلة الدعم المالي، واستئناف العلاقات مع الأمريكان.
فلماذا سيتم تجديد الشرعيات في هذه المرحلة؟ وأي شرعيات سيتم تجديدها؟
أولاً: تجديد شرعية المجلس التشريعي خطوة مهمة لإبراز شكل جديد من القيادة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطياً، قيادة منتخبة قادرة على توحيد الصفوف، وإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة جديدة، لها القدرة اتخاذ القرارات السياسية الصعبة بصفتها حكومة منتخبة تمثل الشعب الفلسطيني الموجود في غزة والضفة الغربية، وأزعم أن ما يجري من مشاورات، ولقاءات، وزيارات، يشير إلى أن معركة انتخابات التشريعي لن تكون حامية الوطيس، فالتوافق بين أكبر تنظيمين سيحسم الصراع، وسيقدم مجلساً تشريعياً مقبولاً للجميع، بما في ذلك الأطراف الدولية، لذلك ستشارك في تركيبة المجلس التشريعي كل أطياف القوى السياسية بما في ذلك تيار محمد دحلان التيار الإصلاحي، وغيره، ولن يستثنى أحد.
ثانياً: الرئاسة الفلسطينية، وهذه هي المعركة الحقيقية التي اشتعل أوارها خلف الكواليس، إنها معركة تشارك فيها عدة قوى إقليمية، وتسعى إلى حسم نتائجها قبل أن تبدأ، فالقوى العربية والإقليمية لن تترك مصير الرئاسة كريشة في مهب الريح، فالرئاسة أهم من التشريعي، لذلك لن تترك الأنظمة العربية مصير الرئاسة للتوقعات، والمفاجآت، والتحالفات، فالرئاسة هي عمود الخيمة التي يستظل بها المجلس التشريعي والوطني، وهي التي تمنح وتمنع بقية الشرعيات، وهي شأن عربي ودولي قبل أن تكون مسألة فلسطينية محضة، من هنا لا أستبعد أن يكون مضمون اللقاء الذي ضم السيد محمود عباس ورئيس جهاز المخابرات المصرية، ورئيس جهاز المخابرات الأردنية قد ناقش مستقبل الرئاسة، بما في ذلك الخروج الآمن للسيد محمود عباس، مع ضمانات عربية وإقليمية، لا تسمح بملاحقته أو محاسبته هو وأبناؤه، وقد يكون لقاء الرئيس السيسي مع السيد عباس في ديوان الملك الأردني في عمان بعد أيام خطوة متممة لما شرع به رئيسا جهاز المخابرات المصرية والأردنية، ولا سيما أن استطلاعات الرأي لم تعطِ للسيد عباس أكثر من 30% في أحسن الأحوال، ولا يأمن السيد عباس على مستقبله من طعنات الظهر، ويتخوف من تحالف دحلان البرغوثي، ويتخوف من تحالف القوى الإسلامية مع شخصيات وطنية مثل حسن خريشة وغيره، لتأتي النتائج على خلاف التقديرات..
فمن سيكون الرئيس الفلسطيني القادم؟
جاهل كل من يظن أن صندوق الانتخابات سيفرز رئيساً فلسطينياً منتخباً بشكل ديمقراطي، الرئيس الفلسطيني القادم سيتم التوافق عليه مع عدة قوى سياسية فلسطينية، وبعد مشاورات مع العديد من الدول العربية المؤثرة في الساحة الفلسطينية، فالرئاسة ليست شأناً فلسطينياً محضاً، وللإمارات ثقلها، ولمصر قدراتها، وللأردن تأثيره، ولإسرائيل موقفها، وكل هؤلاء لن يقفوا متفرجين على صراع يمسُّ أمنهم، وهم الذين وقفوا خلف إصدار المرسوم الرئاسي.
يبدو أن الساحة الفلسطينية تعيش مخاضاً صعباً، والهدف ليس تجديد الشرعيات بمقدار ما هو تجديد القيادات، وعلى كل المستويات، استعداداً لمرحلة سياسية تقودها مصر والأردن والإمارات، عنوانها: استثمار التطبيع مع (إسرائيل) في تطبيب الجرح الفلسطيني.