بعد شهرين من ظهور نتائج الانتخابات للكنيست الإسرائيلي، ستبدأ الانتخابات الفلسطينية التشريعية، وشتان بين انتخابات حرة ديمقراطية تمثل أطماع "شعب" ومصالحه، وانتخابات فرضتها الضائقة الاقتصادية والتدخلات الخارجية، وشتان بين استحقاق انتخابات حرة لا يمكن تجاوز موعدها ونتائجها، واستحقاق انتخابات فرضتها جملة من المعطيات والضغوطات التي ستؤثر في نتائجها، وشتان بين نتائج انتخاب برلمان متمكن من قراره، يمتلك القوة والسيطرة والنفوذ، ونتائج انتخابات برلمان له تجربته المريرة في الشطب والتغييب، ولا يمتلك مقومات البقاء على قيد الحياة إلا بقرار الرئيس ورضاه، والتغذية الخارجية الاصطناعية، والتنفس من خلال أنبوبة أوكسجين المساعدات الدولية.
المقارنة بين الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية لسنة 2021م ليست ترفاً، ولا هي تسلية ومسخرة، ولا هي تهرباً من انتقاد جملة التعديلات القانونية التي صدرت قبل المرسوم الرئاسي، المقارنة تفرض على الفلسطينيين أن يفتحوا كتاب مستقبلهم السياسي، وأن يقرؤوا تفاصيله من خلال طريقة صدور المرسوم الرئاسي، وزمنه، وآليته، وتعقيدات تطبيقه، ونتائجه على الأرض، ولهذا سأورد بعض المفارقات بين انتخاباتهم وانتخاباتنا.
أولاً: الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تجرى للمرة الرابعة في غضون سنتين، وفي ذلك تعبير عن إرادة مجتمع لا يخشى على مستقبله، واثق في استقراره، له أطماعه التوسعية التي يعبر عنها من خلال ممثليه في البرلمان.
أما الانتخابات التشريعية الفلسطينية فتجرى للمرة الثالثة في غضون 25 عاماً، وهي مرتبكة وجلة، وعرضة للانتكاسة والانهيار جراء قرار متسلط داخلي أو خارجي.
ثانياً: الانتخابات الإسرائيلية إرادة "شعب" استقل بقراره، "شعب" يتنافس في الانتخابات على من هو الأنفع لدولتهم، ومن هو الأكثر نفعاً، وهذه الانتخابات رقم (24) للكنسيت شأن إسرائيلي محض، لا تمتلك قوة على وجه الأرض إمكانية التأثير فيها.
أما الانتخابات الفلسطينية فجاءت للمرة الثالثة فقط، وفي إثر ضغوط وتدخلات خارجية، ونتائجها مرهونة لجملة من الاعتبارات، وتقاطع مصالح أكثر من دولة.
ثالثًا: نتائج الانتخابات الإسرائيلية ستقرر مصير المنطقة لأربع سنوات قادمة، أما نتائج الانتخابات الفلسطينية فستقرر مصير بعض الشخصيات والأسماء والتنظيمات مدى العمر.
رابعاً: الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تجرى داخل "دولة لها سيادة"، وستطبق على نسبة 60% من أراضي الضفة الغربية، أما الانتخابات الفلسطينية فتجرى على أرض بلا سيادة، وعلى نسبة 40% فقط من أرض الضفة الغربية.
خامساً: الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية جاءت بقرار من الكنيست الذي حل نفسه أكثر من مرة، وتوافق على موعد الانتخابات، وقرر إعادة اختيار ممثليه، أما الانتخابات الفلسطينية فجاءت بقرار شخص الرئيس، وجراء مطالبة دولية بتجديد الشرعيات، وللانتخابات أهداف لمّا تزل مخبأة في رأس مطلقها، وهي بحاجة إلى حوارات ونقاشات ولقاءات مطولة في القاهرة.
سادساً: الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تمثل "دولة"، لها "سيادة"، ومحكومة بقوانين تشريعية لا يمكن التلاعب بها، أو تعديلها، أما الانتخابات التشريعية الفلسطينية فتمثل سلطة بلا سلطة، ومحكومة بقرارات استثنائية قد يصدرها الرئيس، أو يلغي بعضها.
سابعاً: لا أحد يجرؤ على التدخل في آلية إجراء الانتخابات الإسرائيلية، وطريقة فرز الأصوات، وضبط العملية الانتخابية التي يحكمها الزمن والقانون، ولا قوة على الأرض تؤثر في نتائجها، أما الانتخابات الفلسطينية فهي عرضة لتدخلات خارجية وداخلية، ونتائجها محكومة بكمية الأموال التي ستتدفق على هذا التنظيم أو ذاك، وحجم الوعود والعطايا المقدمة لهذا التنظيم أو ذاك.
ثامناً: الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ستفرز مجموعة من الكتل البرلمانية، وستقرر تركيبة الحكومة القادمة، ولا تستطيع قوة على وجه الأرض أن تحل الكنيست، أو أن تفرض حكومة لا تحظى بالأغلبية، أما نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية فقد تلغى بقرار رئيس.
تاسعاً: الانتخابات الإسرائيلية ستفرز قادة إسرائيليين يتسابقون على ضم الضفة الغربية، ويشترطون للفوز عدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، أما الانتخابات الفلسطينية فمشروطة بالاعتراف بـ(إسرائيل)، والموافقة على ما وافقت عليه منظمة التحرير في أوسلو.