اعتاد الذهاب مع رفاقه في الحي إلى مكان مفتوح ليمارسوا فيه رياضة الباركور الهوائية، ويقتصر دوره على مراقبتهم بصمت، ليعود بذاكرته إلى ما قبل الإصابة، لكونه كان من المولعين بممارسة رياضة كرة القدم والمارثون وغيرها، فتمنى لو كان ضمن القافزين على الأحجار الأسمنتية الضخمة وضمن أعضاء الفريق، ولكنه قطع طريق الأمنيات وقال في قرارة نفسه: "الأمر ليس مستحيلًا ولا صعبًا، كل ما يحتاج إليه هو قوة قلب".
الشاب محمد عليوة (18 عامًا) من حي الشجاعية الواقع شرق مدينة غزة، تجاوز حالة الإحباط التي كان يمر بها بعد بتر قدمه، وبقلب قوي يقفز من مكعب أسمنتي لآخر يتجاوز بينهما مسافة متر واحد على الأقل، ليمارس رياضة الباركور بكل ثقة مستعينًا في بداية طريقه بعكازه الحديدي.
منذ صغره كان لاعبًا أساسيًا في فرق الحارات لكرة القدم، فكان شغوفًا في ممارستها، ويعشق اقتناء ذلك الشيء المستدير بكل أشكاله وأنواعه، حتى بات مشاركًا في مسابقات النوادي والتحق بها، وأصبح عضوًا فيها.
يقول عليوة لصحيفة "فلسطين": "رسمت أحلامي بأن أكون لاعبًا في المنتخب الفلسطيني، ولكن تلك الرصاصة الغادرة التي خرجت من فوهة بندقية جندي في جيش الاحتلال في أثناء المطالبة بحقي بعدِّي فلسطينيًّا، وبشكل سلمي في أثناء مشاركتي في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار قبل عامين، أفسدت عليَّ كل مخططاتي".
في منطقة مخيم ملكة بالتحديد، وفي التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني، كان شاهدًا على فقده قدمه على الفور، "لم أصب بصدمة إزاء ذلك، وحمدت الله على كل شيء، إنه قدر الله لا مفر منه، ولكن ماذا سأفعل بحبي للرياضة؟ كيف سأمارسها وأكمل طريقي فيها؟".
يضيف عليوة: "تمكنت بإرادتي من تجاوز محنتي والعقبات التي واجهتني بعد الإصابة، بوجود أهلي وأصدقائي بجانبي، فلم يتركوني لحظة، وتمكنت بعدها من العودة لحياتي الطبيعية كما قبل الإصابة".
إصابته التي تسببت له بحالة البتر لم تمنعه من ممارسة كرة القدم التي احترفها في السابق، ولم يتوقف عند ذلك، بل حلم بخوض غمار تجربة جديدة بنوع جديد من الرياضة، فأقحم نفسه بمساعدة أصدقائه بممارسة الباركور الذي يعتمد على حركات قفز بهلوانية، حتى أتقنها بساق واحدة، وحوله متفرجون يتابعون حركاته بدهشة وإعجاب، "تحفزتُ على لعبها، خاصة أنها تتم في المناطق العامة والمفتوحة حيث الهواء الطلق".
ويوضح عليوة أنه لجأ إلى ممارسة الباركور تحديًا للظروف التي يمر بها، بعدما كان ينظر إلى أصدقائه بألم وحسرة، ظنًّا منه أنه لن يتمكن من ممارستها لكونه بساق واحدة، فنهض من جديد بعد مرور عام على الإصابة، وبات مداومًا على لعبها.
ويتابع: "بعد ظروف صعبة مررت بها، تمكنت من الوقوف على قدم واحدة، وتغلبت على الوضع النفسي، لأقتحم هذا العالم بالكثير من التدريبات عن طريق نادٍ وبمساعدة أصدقائي، حتى أصبحت أؤدي هذه التمارين بمفردي ومن دون الحاجة للطرف الصناعي، وأمام الناس دون خجل".
ويؤكد عليوة أن الاحتلال الإسرائيلي مهما حاول بارتكابه الجرائم بحق الفلسطينيين لن يستطيع قتل الأمل والروح بداخلهم.
ويختم بأنه لن يقتصر على ذلك، بل يعمل دائمًا على تطوير ذاته ومهاراته، وتعلم المزيد من الرياضات والحركات، والتحق بفريق خاص لأشخاص من ذوي الإعاقة للدبكة الشعبية، ويحلم أن يمثل فلسطين في مسابقات دولية.