حظيت التطورات الحاصلة في منطقة الخليج، وتتوجت بمصالحة أعقب قطيعة زادت على ثلاثة أعوام، بتغطية إعلامية ومتابعة سياسية إسرائيلية حثيثة، على اعتبار أن ما يشهده المحيط بها يترك تأثيره المباشر عليها، فكيف وإن كان الحال بمنطقة الخليج ذات المقدرات الاقتصادية الفائقة، والموقع الجيو-استراتيجي فائق الأهمية، فضلًا عن مسلسل التطبيع الذي شرع فيه الجانبان في الأشهر الأخيرة، ولما ينتهِ بعد!
تراوحت تقديرات تل أبيب في النظر للمصالحة الخليجية بين عدة مسارات، فهناك من رآها توفر حشدًا خليجيًّا لتهديد إيران، والضغط على الفلسطينيين، واستكمال مسيرة التطبيع مع "إسرائيل"، ما يفسح المجال للحديث عن موازين الربح والخسارة الإسرائيلية من المصالحة، وانعكاسها على صراعها مع الفلسطينيين.
لم تكتفِ المحافل الإسرائيلية بالحديث عن الجانب الجغرافي للمصالحة الخليجية، بل اعتبرتها جزءًا من صراع كبير لتزعم العالم الإسلامي، لذلك لم ترتأِ "إسرائيل" أن تنظر لتطورات أزمة الخليج على أنها مجرد أزمة عادية بين دوله، بل باعتباره صراعًا له تداعيات عالمية تمتد من ماليزيا، مرورًا إلى باكستان، وصولًا إلى ليبيا.
لا يتردد كثير من الإسرائيليين وهم يحللون دوافع إبرام هذه المصالحة بالإشارة إلى أنها قد تكون رغبة حثيثة من إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب للتوصل لصفقة تعلن بموجبها قطر تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، مقابل دفع السعودية للمصالحة معها.
مع العلم أن القراءة الإسرائيلية ترى أن قطر بعد المصالحة خرجت مستفيدة أكثر من جاراتها الخليجية، فهي تلعب أكثر من دور في الوقت ذاته، حيث تبدو منفتحة على إقامة علاقات مع "إسرائيل"، وقريبة من الجماعات المؤيدة لتل أبيب في واشنطن، لكنها تمتلك علاقات وثيقة من الحركات الإسلامية، وليس هناك أي أدلة على أنها تخلّت عن هذا النهج.
فضلًا عما تقدم، فقد صدرت دعوات إسرائيلية مبكرة إلى استغلال المصالحة الخليجية، واعتبارها فرصة لتوجيه ضربة عسكرية مشتركة إلى إيران بالتنسيق مع دول المنطقة، من خلال تشكيل جبهة مستقرة وموحدة أمام العناصر المعادية لها في المنطقة، وربما نسمع في الأيام القريبة القادمة، أن لهذه المصالحة توجد أثمان من المال والسلاح، أو كليهما.
على صعيد علاقات "إسرائيل" الإقليمية، تعتبر الأخيرة أن دول الخليج لاعبة مركزية، وقد تكون هذه المصالحة مقدمة لتلطيف حدة الخلاف مع تركيا، وعامل أكثر نشاطًا في مساعي الجسر والتهدئة مع حماس في غزة، فقطر لديها غير قليل من الأسباب للرغبة بالمصالحة، لأنه بجانب فضائله السياسية والاقتصادية، سيزيح عنها حجرًا كبيرًا قبل لحظة من دخولها في الحدث الأهم الذي ترتقبه؛ وهو مونديال 2022، الذي سيُجرى على أراضيها.