في فبراير 2021 يكون قد مر على قطع العلاقات الدبلوماسية 42 عاما وهي أطول فترة قطع علاقات في التاريخ، ولكن العلاقات الدبلوماسية المقطوعة تَوازى معها قطع كل صور العلاقات الثقافية والإعلامية والاقتصادية والتجارية والقنصلية، فهل يشهد العام الجديد تطورا في مجمل العلاقات المصرية الإيرانية؟.
مرت العلاقات المصرية الإيرانية بمراحل متعددة، المرحلة الأولى مرحلة حكم الشاه، وكانت في العصر الملكي مزدهرة، وكانت شقيقة الملك زوجة لشاه إيران.
لما تولى ضباط يوليو حكم مصر منذ عام 1952، بدأت العلاقات تتوتر لسببين: الأول هو التحول من النظام الملكي في مصر، والثاني هو التقارب الإيراني- الإسرائيلي ضد الشعارات القومية الناصرية، ومعاداة إيران في الخليج، وشعارات حماية الخليج مما سمي بالأطماع الإيرانية في الخليج ولذلك رحب الخليج بالشعارات القومية ضد إيران والإنجليز.
المرحلة الثانية: بدأت بالثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979، قبيل استكمال كامب ديفيد باتفاق السلام في 26 مارس 1979، وهكذا تواجهت مصر وإيران بسبب تقارب مصر من "إسرائيل"، فضلا عن استضافة السادات لشاه إيران الذي أنكرته واشنطن، رغم مرضه الأخير ودفنه في مصر.
فقد دخلت إيران الصراع مع "إسرائيل" في نفس اللحظة التي خرجت مصر منه. فصار دعم المقاومة خطا إيرانيا بعد ان كان هذا الخط مصريا ناصريا. ولذلك سُرت إيران باغتيال السادات وخلدت قاتله بإطلاق اسمه على شارع رئيس في طهران.
ثم زاد التوتر عندما دعمت مصر صدام حسين، في غزوه لإيران، والغريب أن الخليج الذي دعم صدام حسين لم يلحظ دعم مصر لخطه وإنما أخلص في مقاطعة مصر رغم أن المقاطعة تقررت لصالح طموحات صدام حسين، وليس تضامنا مع الفلسطينيين، وصارت إيران إلى جانب العراق وعدد من الدول العربية في معسكر جبهة الرفض لكامب ديفيد، وكل يغني على ليلاه.
ولكن الملاحظ أن إخلاص الخليج في العقوبات على مصر كان بقدر ارتماء الخليج في أحضان "إسرائيل" ولكن كان في الحالتين بتعليمات من واشنطن رغم أن مصر كانت قد نقلت من موسكو إلى الحضن الأمريكي ولم يشفع غزو صدام لإيران لصالح الخليج وواشنطن في القسوة معه وتوريطه في غزو الكويت بعد ثماني سنوات من الحرب مع إيران ثم احتلال العراق وتقسيمه والقضاء عليه.
المرحلة الثالثة: بدأت عام 1984، حيث تولى مبارك عقب السادات، ولكن تولى خاتمي الحكم ممثلا للتيار المعتدل أقنع واشنطن بإمكان السماح بتقليل الجفاء بين مصر وإيران، وكادت لقاءات جنيف بين مبارك وخاتمي تعيد العلاقات الدبلوماسية التي كانت إيران الثورة قد قطعتها إيذانا بمناهضة التقارب المصري الإسرائيلي والتقارب بدلا من ذلك مع الفلسطينيين وإعلان العداء لـ"إسرائيل" ثم تعميق العداء الإيراني- الإسرائيلي بصرف النظر عن تسهيل "إسرائيل" حصول إيران على السلاح لصد الغزو العراقي فيما عرف بـ"Iran Gate" (إيران جيت)، ليس حبا في إيران ولكن أملا في أن تفني إيران والعراق بعضهم بعضا تنفيذا للمخطط الأمريكي في ذلك الوقت.
وطبيعي أن تسر إيران لضرب "إسرائيل" للمفاعل النووي العراقي بينما كان العراق منهمكا في حربه ضد إيران لصالح واشنطن التي أعطت الضوء الأخضر لـ"إسرائيل".
وأظن أن التقارب المصري الإيراني من التطبيع كان وهما لأن واشنطن لن تسمح مطلقا بتقارب مصري إيراني لأنها تعلم أن هذا التقارب يمكن أن يغير خرائط المنطقة ويهدد النفوذ الأمريكي في الخليج.
المرحلة الرابعة: توغلت إيران في لبنان وتحالفت مع سوريا بإنشاء حزب الله ليحرر بيروت من الاحتلال الإسرائيلي الذي تم بتواطؤ عربي فيما يبدو وتوسط العرب حتى تجلو المقاومة الفلسطينية عن المنطقة، وكان العرب قد بدؤوا بقيادة السعودية بعد تراجع مصر كامب ديفيد والاتجاه إلى السلام الإسرائيلي كخط استراتيجي تجسد في قرار قمة الرباط عام 1982، المتضمن مبادرة الأمير فهد، ثم اكتملت الصورة بالمبادرة السعودية في قمة بيروت 2002، وكان واضحا أن "إسرائيل" بدأت في احتجاز عرفات وتصفيته.
والملاحظ أنه كلما تقدمت "إسرائيل" في نفوذها في المنطقة تراجع القبول العربي بالمقاومة، خاصة بعد ميلاد حماس 1987، وتراجعت العلاقات الإيرانية المصرية والعربية، ما يعني أن بعض العرب قد اختاروا بهدوء صف (إسرائيل) ضد المقاومة والقضية الفلسطينيتين حتى تشكل معسكران الأول: مقاوم يضم إيران وحزب الله وحماس وسوريا. والثاني: يضم المعسكر العربي المتصالح مع "إسرائيل"، وكلما اشتد التنابذ الإيراني الأمريكي زاد البعد العربي عن إيران والمقاومة والقضية عموما.
المرحلة الخامسة: بدأت بقيام الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وسوريا فأعلنت إيران أنها اقتدت بالثورة الإسلامية في إيران، ولكن إيران التي تعاطفت مع الثورة المصرية واليمنية ساندت الحكومة السورية بحكم تحالفها لقمع الثورة عسكريا وأمنيا على أساس أن أي خلخلة في قبضة الحكومة السورية يكون دائما لصالح "إسرائيل" وواشنطن.
أما العلاقات الإيرانية المصرية فقد شهدت ازدهارا مؤقتا وشكليا خلال حكم الإخوان المسلمين حيث زار الرئيس الإيراني مصر، لكن مع تغير نظام الحكم أوقف هذا الاتجاه خاصة وأن الخليج المناهض لإيران كان قريبا من النظام الجديد في مصر.
ويعتقد أن الخليج صار عاملا من عوامل التباعد المصري الإيراني، ويبدو أن مصر لا تريد التقارب مع إيران على الرغم من رغبة إيران حتى لا تغضب السعودية و"إسرائيل" وواشنطن ترامب على أساس حسابات النظام للمصالح المصرية.
في الوقت نفسه لا تتخذ مصر مواقف معادية لإيران، وأعتقد أن العام الجديد قد يشهد تقاربا مصريا إيرانيا في المجالات غير السياسية للأسباب الآتية:
الأول: أن واشنطن في عهد بايدن لا يعنيها تقارب مصر وإيران أو إزالة الجفاء بينهما، كما أن موقف واشنطن من إيران كان حاسما لموقف السعودية وربما مصر، ومن ثم فإن اعتدال الموقف الأمريكي سيترك مصر والسعودية تقدران مصالحهما خاصة وأنه لا توجد مشاكل مباشرة في علاقات مصر مع إيران، ثم أن العلاقات الدبلوماسية والسياسية قائمة بين إيران ودول الخليج والسعودية ولا يوجد ما يمنع من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران في هذا العام.
الثاني: أن العداء الإيراني الإسرائيلي سوف ينخفض، ما يحرر مصر من ضغوط مفترضة لـ"إسرائيل" عليها ولما كنا نفترض أن الطريق مفتوح لتطوير العلاقات المصرية الإيرانية، ما دام القرار المصري قد يخفف من الضغوط السعودية الإسرائيلية الأمريكية، خاصة أن مصر تساند الحكومة السعودية لأسباب مفهومة لا تضر "إسرائيل" أو السعودية وربما تكون دوافع مصر امتدادا للحالة الداخلية المصرية والتوازن المصري التركي.
ففي الساحة السورية تتجاور مصر وإيران وحزب الله وروسيا ومع ذلك لا تعترض مصر على قرارات الجامعة العربية باعتبار حزب الله وحماس منظمات إرهابية ما يسعد "إسرائيل" والسعودية دون أن تضر أحدا بسبب عدم فاعلية الجامعة وقراراتها.
والخلاصة أنه ما دامت إيران لا تشكل تهديدا لمصر من أي نوع، ولا توجد مشكلات في العلاقات الثنائية وتوافرت رغبة إيران في التقرب من مصر فإنني أدعو الحكومة المصرية إلى دراسة المكاسب التي تعود على مصر من التقارب مع إيران خاصة أن السعودية والإمارات تقيمان أفضل العلاقات مع إيران، فلا مبرر لهما لمصادرة حق مصر في خدمة مصالحها مع إيران.