تحدثت التقارير الإستراتيجية الإسرائيلية التي صدرت أخيرًا بمناسبة مرور عقد على اندلاع ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط مجمعة أنها فاشلة، وقد بدت مستعجلة في ذلك، لأن مثل هذه التحركات التاريخية الأخرى التي نضجت بعد سنوات عديدة تحمل فيها براعم النجاح.
انشغل الإعلام الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة بما وصفه عواقب احتجاجات "الربيع العربي"، في الذكرى العاشرة لانطلاقها ضد ديكتاتوريات الشرق الأوسط، لأنها تحولت إلى "شتاء إسلامي" للإسلاميين، "الذين استغلوا الفوضى لملء الفراغ الذي تركه الحكام العرب الذين أطيح بهم"، لأن المعطيات الإسرائيلية التي توافرت آنذاك تحدثت أن المتظاهرين الإسلاميين أكثر تنظيمًا من نظرائهم الليبراليين، ولذلك نجحوا بالوصول للسلطة في انتخابات ما بعد الثورات.
كشفت المتابعة الإسرائيلية لنتائج الثورات العربية بعد هذه السنوات أن "الإسلاميين استفادوا منها، في مصر حيث وصل الراحل محمد مرسي زعيم الإخوان المسلمين لكرسي الرئاسة قبل الإطاحة به، وفي تونس تولت حركة النهضة الحكم، وشهدت دول أخرى فوضى عارمة، وتورطت بحروب أهلية طاحنة كما حصل في سوريا واليمن وليبيا".
اعتمدت (إسرائيل) رواية مفادها أن الربيع العربي نتيجة لسياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مع أن إدارته فوجئت بالثورات، وكذلك المنظمات الاستخبارية الإسرائيلية، وظهر تواضع التأثير الأمريكي في التطورات الداخلية بالبلدان العربية، لأنه اكتفى بالتعبير عن الدعم المعنوي لاتجاه الدمقرطة، لكنه لم يعمل على الترويج لها بالقوة.
يمكن للمنظومة الاستخبارية الإسرائيلية ملاحظة الكثير من التطورات في العديد من الدول العربية بعد مرور هذه السنوات العشر، ومنها ستحكم حكمًا مختلفًا على التغيير الذي أحدثه الربيع العربي، وتتعرف إلى معناه الإيجابي، لأن العديد من التغييرات في التاريخ التي تعد إيجابية اليوم جاءت بعد مراحل صعبة ودموية، لأن الانتقال من حالة توازن إلى أخرى يستلزم بطبيعة الحال مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار.
في الوقت ذاته دفعت الثورات العربية بعدد من الحكام العرب للإدراك أنهم يقفون بجانب (إسرائيل) ضد الجماعات الإسلامية وإيران، ما قد يدفع الأنظمة العربية و(إسرائيل) لتبني رؤية جديدة للشرق الأوسط صاغها شمعون بيريس بعد اتفاقات أوسلو، مع أن ذلك سيحرم (إسرائيل) الادعاء الدائم بأنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
إن تزامن إحياء العشرية الأولى لثورات العربي مع توقيع اتفاقات التطبيع يدفع الإسرائيليين للحديث عما يعدونها الفرص، وليس الانشغال بالتهديدات فقط الواردة من الدول المجاورة، وفي النهاية الاستفادة من الفرص المتاحة في المنطقة لمصلحة تسوية مع الفلسطينيين، بزعم أن هذه التسوية ستغير وضع (إسرائيل) في المنطقة والعالم تغييرًا كبيرًا.