وأخيرًا تم طَيْ صفحة الأزمة الخليجية التي مثَّلت حالة استثنائية في العلاقات الخليجية الداخلية، وأرّقت شعوب الخليج العربي وأحدثت شرخًا طال جميع مناحي الحياة للمواطن الخليجي منذ الخامس من يونيو 2017م وحتى يوم انعقاد قمة العُلا في المملكة العربية السعودية في الخامس من يناير الحالي.
كفلسطينيين سعدنا كثيرًا بالاستقبال الحار من ولي العهد السعودي لأخيه الأمير القطري في أرض المطار، ترحيبًا بمشاركته في القمة الحادية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي في الأراضي السعودية، في رسالة سياسية برغبة المملكة في إنهاء هذه الأزمة وطي صفحة الخلاف السياسي.
وعلى الرغم من أن إنهاء الأزمة الخليجية يأتي ثمرة للمساعي الكويتية والجهد الدبلوماسي الذي خطا أولى خطواته الإيجابية أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله في تقريب وجهات النظر بين الأشقاء، فإننا لا نستطيع تجاهل العوامل الإقليمية والدولية التي دفعت الدول الأربع لاتخاذ قرارها بإنهاء الأزمة الخليجية دون تحقيق قائمة المطالب التي قدمتها لقطر مع بدايات الأزمة.
ربما بدا لافتًا حضور جارد كوشنير كبير مستشاري ترامب قمة العُلا في دلالة على رعاية ترامب لهذه القمة، وضغوطاته السياسية لإنهاء الأزمة الخليجية التي غذّاها طيلة فترة مكوثه في البيت الأبيض، في محاولة لتحقيق إنجاز سياسي قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض، وهذا دفع العديد من المراقبين للتنبّؤ بأن إنهاء الأزمة الخليجية، وقرار فتح الحدود الجوية والبرية بين السعودية وقطر إنما يأتي في سياق ترتيبات أمريكية لتوجيه ضربة جوية لإيران قبل نهاية حقبة ترامب في البيت الأبيض.
ومع تجاوز فرضية توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران، فإن تعهُّد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بإعادة تقييم علاقة الإدارة الأمريكية مع السعودية بسبب تجاوزات حقوق الإنسان شكّل دافعًا للمملكة لإنهاء أزمتها مع قطر خاصة مع تأييد محكمة العدل الدولية في يوليو الماضي قرار منظمة الطيران المدني الدولي الذي اتخذته عام 2018م والذي أكد عدم قانونية الحصار الجوي لقطر وانتهاكه الاتفاقيات الدولية المتصلة بالطيران المدني الدولي، الأمر الذي يُعَرّض الدول الأربع لمساءلات قانونية أمام المحاكم الدولية في المستقبل.
ومع انتهاء الأزمة الخليجية أثيرت من جديد الشروط الثلاثة عشر التي اشترطتها الدول الأربع على قطر مع بدايات الأزمة قبل ثلاث سنوات، والتي كان من أبرزها قطع العلاقة مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية ووقف التعاون العسكري مع تركيا، وإغلاق قناة الجزيرة، ووقف تقديم الدعم لحركات الإسلام السياسي، وهنا أستحضر مطالبة وزير الخارجية السعودي بعد حصار قطر بأيام وقف تمويلها لحركة حماس الفلسطينية، وحملات شيطنة المقاومة الفلسطينية في الإعلام السعودي، إضافة إلى إقدام المملكة منتصف العام 2019م على اعتقال عشرات الفلسطينيين بشبهة تأييد المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتهم ممثل حركة حماس في المملكة.
ورغم نفي وزير الخارجية القطري طرح موضوع إغلاق قناة الجزيرة على طاولة الحوار، إلا أنه من غير الواضح طبيعة التنازلات التي قدّمتها قطر في الأيام الأخيرة لإنهاء الأزمة، كما أن ضعف حماس كل من الإمارات والبحرين ومصر لإنهاء الأزمة بدا واضحًا من خلال طبيعة التمثيل الدبلوماسي في قمة العُلا التي غاب عنها ولي العهد الاماراتي والملك البحريني والرئيس المصري رغم حضور الأمير القطري، إضافة إلى تردّد بعض وسائل الإعلام المصري المؤيدة للنظام في دعم المصالحة الخليجية، وتصاعد التوتر بين قطر والبحرين في الآونة الأخيرة بُعيد إصدار خارجية الكويت بيانًا مطلع ديسمبر الماضي بشّرت فيه بقُرب التوصل إلى حلول تنهي الأزمة، الأمر الذي يشير إلى أن قمة العُلا هي مجرد بداية لانتهاء الأزمة الخليجية، وأن العديد من ملفات الخلاف لا زالت بحاجة إلى حوار مشترك لاحقًا.
وأخيرًا ورغم أملنا بعودة العلاقات الدافئة إلى مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه من المبكر الحُكم على نجاح هذه المصالحة التي تبدو وكأنها جاءت نتيجة ضغوطات خارجية، خاصة مع عدم إعلان رضوخ قطر لأي اشتراطات عليها، ووجود تباينات سياسية في التعاطي مع أزمات المنطقة، سيما طبيعة العلاقة مع إيران، وتصاعد التوتر العسكري في الخليج واحتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية للمواقع الإيرانية نتيجة الضغوطات الإسرائيلية، وكذلك التباين الإماراتي المصري في التعامل مع الملف الليبي بخلاف الرؤية القطرية الداعمة للدور التركي في ليبيا، وأيضًا التباين في التعاطي مع القضية الفلسطينية، والتدخّل القطري المتواصل لتهدئة الأوضاع في غزة على حساب الدور المصري.