شكلت زيارة الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، إلى إسرائيل، قبل أيام، ترسيخاً للمفاهيم السائدة بينهما، باعتبار أن الأبعاد العسكرية والاستخباراتية تعد عاملا حاسما لصالح تطوير علاقاتهما، بل ركيزة أساسية فيها، وتأكيدا على تنمية شراكاتهما الاستراتيجية والتشغيلية والاستخباراتية والتكنولوجية، لاسيما في عصر الاضطرابات السياسية والوقائع الإقليمية المعقدة.
نحن أمام الزيارة الثالثة لإسرائيل التي يقوم بها "ميلي" خلال عام، لكن زيارة الأيام الأخيرة ذات توقيت شديد الدلالة، وزيادة لتكهنات تشير أن إدارة ترامب تفكر باتخاذ خطوة استباقية ضد إيران قبل إنهاء ولايته، رغم أن طبيعة الزيارة تكمن في تعزيز القوات الأمريكية في المنطقة، وقد تحمل تحذيرا، عن استعداد أمريكي وإسرائيلي لرد محتمل على عملية إيرانية مهمة أوائل العام الجديد، بعد عام على اغتيال قاسم سليماني، وإطلاق صواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد، ودخول الغواصة "جورجيا" لمياه الخليج لأول مرة منذ 8 سنوات.
بجانب النتائج المحددة للزيارة الحالية، فمن المهم رؤيتها في السياق الأوسع للعلاقة التي نشأت في الجيل الأخير بين الجيشين الإسرائيلي والأمريكي، من حيث زيارات منتظمة للقيادات العليا، قنوات الحوار المستمرة والمتواصلة، التدريبات المشتركة الثنائية ومتعددة الأطراف لأسلحة الجو والبحرية والبرية من الجانبين، بما في ذلك مناورة سنوية واسعة النطاق تركز على الدفاع الصاروخي.
تشمل جوانب العمل العسكري المشترك الأمريكي الإسرائيلي مشاركة القوات الجوية الأمريكية في مناورات العلم الأزرق كل سنتين، وشراء أنظمة أسلحة متطورة من إسرائيل، بجانب التعاون الاستخباراتي المتعمق على عدة مستويات.
"على المستوى الاستراتيجي حصل تغيير في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بإسرائيل من الدول التي التزم الجيش الأمريكي بحمايتها ضد التهديد الخارجي، فعلى سبيل المثال اعتبرت السعودية سابقا أن إسرائيل عدوا، حينها توخّت العسكرية الأمريكية الحذر بعلاقاتها مع إسرائيل، أما اليوم، فانقلب الوضع رأسا على عقب، وبدا واضحا للجيش الأمريكي أن إسرائيل وعدد من دول الخليج، في الموقف ذاته الأمني والاستراتيجي.
هذا التغيير في مكانة إسرائيل الإقليمية يثير رؤية النظام الأمريكي، لأنه يكشف عن أهمية متزايدة لمساهمتها المحتملة في الخطوط العريضة لاستخدام القوة الأمريكية في حالة الطوارئ، وتعزيز الشراكة الثنائية.
في النهاية فإن زيارة ميلي الأخيرة لإسرائيل ترسخ بشكل كبير موقفها في أعين النظام العسكري والمستوى السياسي الرفيع في واشنطن، وما يرتبط به من بناء القوة والردع والمكانة السياسية لها، خاصة في هذه الفترة التي تشهد تغيير الإدارة الأمريكية، والاضطرابات السياسية المستمرة في إسرائيل، ما يزيد من تعزيزها، بما في ذلك مبادرة لنقل إسرائيل إلى مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، مما سيترك تبعاته بالضرورة على علاقاتها الإقليمية بالتزامن مع جوقة التطبيع الجارية.