"مجزرة اقتصادية ارتكبتها البنوك بحق قوت أطفالنا، ولم يبقَ لنا من مستحقاتنا إلا القليل"، بهذه الكلمات تحدث عدد من موظفي السلطة في قطاع غزة عن الإجراءات التي نفذتها العديد من البنوك في إثر إعلان صرف مستحقات الموظفين.
وسيطرت الصدمة على المئات من الموظفين الذين توجهوا إلى البنوك لتسلُّم استحقاقات رواتبهم المتأخرة، إذ فوجئوا بأن خصومات القروض البنكية تمت دفعة واحدة عن جميع الأشهر المتأخرة، مع نسب فائدة جديدة.
وأكد عدد من الموظفين في أحاديث منفصلة لصحيفة "فلسطين" عدم التزام البنوك تعليمات سلطة النقد، ورئيس الحكومة في رام لله محمد اشتية، الذي طالبها بعدم خصم جميع الدفع المستحقة على الموظفين مرة واحدة.
ومنذ توقف السلطة الفلسطينية عن تسلم عائدات المقاصة في مايو/ أيار الماضي، في إثر قرار رئيس السلطة "التحلل" من الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها المالية، تراكم للسلطة على حكومة الاحتلال مستحقات تجاوزت ثلاثة مليارات شيقل (950 مليون دولار).
والمقاصة، وهي ضرائب يجبيها الاحتلال نيابة عن السلطة الفلسطينية عن واردات الفلسطينيين من الخارج مقابل عمولة 3%، ويبلغ معدلها نحو (200) مليون دولار شهريًّا، تشكل حوالي 60% من إجمالي الإيرادات الفلسطينية.
وبدأت وزارة المالية منذ يومين استكمال صرف النصف المتبقي من مستحقات الموظفين العموميين الموظفين التي تراكمت بين شهري مايو ونوفمبر الماضي، حيث كانت قد صرفت 50% من قيمة المستحقات مطلع هذا الشهر.
الموظف موسى حمدان أكد خصم البنك الذي يتقاضى منه راتبه جميع دفعات القرض المالي الذي منحه إياه البنك قبل سنوات، "وهو ما يعد مخالفًا لقرار سلطة النقد التي أوضحت للبنوك آلية الخصم".
وقال حمدان: "هذه المستحقات استفاد منها البنك فقط، حيث حصل على جميع حقوقه مرة واحدة ومع نسب فائدة جيدة، كغرامة على التأخير الجبري الذي لم يكن للموظف سبب به".
وأضاف: "البنك لم يشعر بالموظفين ولم يقف إلى جانبهم خلال الأزمة، وما حصل هو غياب للمسؤولية الاجتماعية منه، وتقصير من قبل وزارة المالية وسلطة النقد، بسبب عدم متابعتهم لما حدث".
ومنذ توقف المقاصة، التي تزامنت مع تراجع الإيرادات المحلية؛ بسبب جائحة كورونا، صرفت السلطة نصف راتب لموظفيها لمدة خمسة أشهر.
وطالت الخصومات البنكية، مستحقات الموظف المدني أحمد أبو جمعة، حيث خصم البنك قرابة 80% من إجمالي مستحقات رواتبه المتأخرة.
وقال أبو جمعة في حديث لـ"فلسطين": "كنت أتوقع الحصول على نسبة جيدة من مستحقات الأشهر المتأخرة، ولكنني صدمت بخصم البنك كامل دفع القرض الماضي بفوائدها".
وأوضح أنه توجه إلى إدارة البنك للمراجعة وطلب إعادة مبلغ بسيط له من قيمة الخصم، ولكن الإدارة رفضت ولم تتعاطَ معه، وأخبرته أن جميع الإجراءات نفذت وفق تعليمات سلطة النقد في رام الله.
وسبق لسلطة النقد أن خاطبت البنوك في الثاني من الشهر الجاري، بآلية خصم أقساط قروض الموظفين العموميين لتسديد الأقساط المستحقة بين شهري يوليو وأكتوبر 2020.
وذكرت أنه سيتم خصم نصف الدفعة المحولة من مستحقات الموظفين، فيما أعطت البنك الحق في خصم كامل أقساط القروض عن شهر نوفمبر.
ولم يحصل الموظف علي أبو عودة إلا على 220 شيقلًا فقط من قيمة مستحقاته من البالغة 3500 شيقل.
وقال أبو عودة لـ"فلسطين": "البنك المستفيد الأول من المستحقات وليس الموظفين، فهو قام بخصم جميع الدفعات مرة واحدة ولم يرحم الموظف أو يترك له أي مبلغ جيد يعيل به عائلته".
وحمل أبو عودة سلطة النقد مسؤولية الإجراءات المالية التي نفذتها البنوك، مشيرًا إلى أن البنوك تواصل منذ سنوات اتخاذ إجراءات غير قانونية وظالمة ضد موظفي السلطة في قطاع غزة.
ويبلغ إجمالي إقراض البنوك المحلية للسلطة حوالي 2.3 مليار دولار، منها 500 مليون دولار سحبتها حكومة اشتيه في رام الله خلال الأزمة الحالية.
ويبلغ عدد الموظفين العموميين نحو 136 ألفًا، ويرتفع الرقم إلى قرابة 210 آلاف مع إضافة ما تطلق عليهم الحكومة من يتقاضون أشباه الرواتب التي تمثل رواتب المتقاعدين والمخصصات الاجتماعية ومخصصات ذوي الشهداء والأسرى والمحررين، وتقدر متأخرات الموظفين، بنحو ملياري شيقل (590 مليون دولار).