منذ مدة ليست بعيدة عادت السلطة الفلسطينية عن قراراتها التي اتخذتها في وقت سابق واستأنفت التنسيق الأمني مع الاحتلال، ثم أوقفت كل التصريحات المناهضة للمواقف الخليجية المطبعة، ومنعت التعقيب عليها، وقررت إعادة السفراء بعد أن تم استدعاؤهم في خطوة احتجاجية على خطوات التطبيع مع الاحتلال من قبل الإمارات والبحرين.
ثم طالعتنا مجددا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "بشروطها الجوفاء" لاستعادة العلاقة مع الادارة الامريكية والتي جاءت عقب اجتماع عقدته برئاسة محمود عباس رئيس السلطة، ونصت هذه الشروط على ضرورة قيام إدارة بايدن بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، بالإضافة لفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية بوصفها جهة تمثيلية للولايات المتحدة لدى السلطة، والتأكيد على رفض خطة الضم.
شروط لا تمثل القيمة المطلوبة وطنيا ولا تعكس المطالب الاستراتيجية لشعبنا الفلسطيني، وهي تكشف عن السقف المحدود والمستوى المتدني لتطلعات وآمال هذه القيادة التي ابتلعت كل المؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني، وجعلتها في جعبة شخص واحد يتفرد بالقرار الوطني، ويسخر كل المقدرات السياسية لخدمة مواقفه التي باتت تمثل قفزات في الهواء.
وحتى بالحد الأدنى فإن اللجنة التنفيذية لم تورد في شروطها شروطا أخرى كانت سببا في حدوث القطيعة السياسية مع الإدارة الأمريكية التي ما زالت قائمة ولم تتغير في الواقع السياسي والميداني، فالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ما زال قائما ولم يتم التراجع عنه، والسفارة الأمريكية ما زالت في القدس، فلماذا لا تكون هذه الشروط ضمن مطالب منظمة التحرير؟! أم أن الشروط مجرد جسر ورقي لإعادة العلاقة من جديد؟!
لكن شعبنا الفلسطيني لديه شروط خاصة لهذه الإدارة، فهو يريد منها وقف الدعم المالي والعسكري لهذا الاحتلال، وإعادة إعلان القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة فلسطين، وإنهاء مشروع صفقة القرن، وتبني حقوقه وآماله وتطلعاته في إزالة الاحتلال، وعدم اتخاذ أي قرارات أمريكية أحادية من شأنها الإضرار بالقضية الفلسطينية التي كان منها استخدام حق الفيتو ضد مشاريع القرار في أروقة الأمم المتحدة.
والعمل على ترسيخ حلول جذرية لإنهاء الاستيطان أو وقفه وتجريمه، واتخاذ قرارات من شأنها وقف العدوان والجرائم الاسرائيلية، والتعويض العاجل للفلسطينيين عن الاضرار التي لحقت بهم من جراء الانحياز الأمريكي السابق، والاعتراف بشرعية المقاومة ورفع القيود والعقوبات عنها، وتحديد مدد زمنية لإقامة الدولة على كامل التراب الفلسطيني.
هذه هي المطالب الفلسطينية التي يمكن أن ترسخ حقوقنا وتقودنا إلى انهاء الاحتلال، وما دون ذلك يعتبر عبثا وحرقا لمزيدا من الوقت وإهدارا للجهود والتضحيات، وخداعا للأجيال التي تراقب الفعل السياسي وتتطلع إلى مستقبل أفضل بعيدا عن الاحتلال، فقد يعتبر البعض ذلك محالا أو ضربا من ضروب الخيال لاستحالة تنفيذها أو القبول بها حتى من قبل أي إدارة أمريكية.
لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الحليف الاستراتيجي لإسرائيل ولا يمكنها تبني أي قرار، أو أن تدعم مشروع في المنطقة يمكن أن يشكل اضرارا بالمصالح الاسرائيلية بأي صورة كانت، لذلك فإن كان هذه هو الواقع فما الذي يدفعنا لإعادة العلاقة واستجداء الرضا الأمريكي والذي يشكل خطرا على مشروعنا الوطني ولن يحقق لنا في أي مرحلة من المراحل أي مكسب سياسي استراتيجي؟!!
في الحقيقة وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الفلسطينيين يتوددون أو يتوسلون لإعادة العلاقة لاعتبارات مختلفة منها: إنقاذ مشروع التسوية المتهاوي، والاستقواء في مواجهة الخصوم في الداخل والخارج، وتفادي خطر الاستبدال الذي يؤرق الفريق الحاكم في رام الله وعلى رأسه محمود عباس، وإعادة تغذية الحسابات الشخصية عبر الضخ المالي الجديد، وتفادي التوتر الحاصل مع الاسرائيليين، وإيجاد فرصة أخرى لاستئناف المفاوضات من جديد.
وقد بت شخصيا على قناعة بأن هذه (القطيعة) مبالغ فيها، ولم تصل العلاقات بينهما لهذا الحد الذي جرى تسويقه في فضائنا الاعلامي، وكان الغرض منه تعزيز مكانة السلطة، التي سوقت نفسها ندا للإدارة الأمريكية، وهي في حقيقة الأمر "سلطة هشة" أعجز من أن تتحدى عصابات المستوطنين الذين يعيثون في الأرض فسادا، أو أن تتجرأ على تخطي حاجز إسرائيلي دون تنسيق.