مع بدء العد التنازلي لانتخابات إسرائيلية مبكرة تلوح في الأفق، يؤكد الإسرائيليون أنهم يشهدون حالة من موت الأيديولوجيا، وهذا يشمل جميع الأحزاب: الليكود، أزرق-أبيض، إسرائيل بيتنا، وحزب العمل، الجميع متشابهون وغير مبالين، حتى باتت سياستهم بلا منصة حقيقية، وأصبحت مملة.
وضع (إسرائيل) اليوم يذكرنا بعام 1973 حين خاضت حربًا مروعة، وبعد (4) سنوات على اندلاعها جاءت سنة 1977 حين حدثت فيها الاضطرابات، وكشفت عن نقاط ضعف وفشل لها ولحكومتها، وبعد إعلان غدعون ساعر انشقاقه عن الليكود، وتشكيل حزب جديد، شكل إنذارًا عن اضطراب اليوم التالي.
شهدت (إسرائيل) العديد من الاضطرابات في عقود سابقة بين اليمين والوسط والمتدينين، لكن صراعاتها اليوم ليست بين هؤلاء، أو بين الأيديولوجيات المختلفة والمتعارضة والمتضاربة، بل ببساطة مع بنيامين نتنياهو أو ضده.
المعركة السياسية اليوم في (إسرائيل) أصبحت ذات أبعاد شخصية حول من سيقود الانقلاب في قيادة الليكود، والنقاش الوحيد المتبقي فيها هو من سيكون سائق المركبة، دون حديث عن السيارة والأمتعة، ما يؤكد أن الوضع الذي تعيشه (إسرائيل) يشبه الرمال المتحركة، وقد هبطت التطورات المتلاحقة على ساستها مثل العاصفة.
تظهر مئات الآلاف من الأصوات الإسرائيلية التي ليس لها انتماء سياسي محدد، وموقفها مُنصبٌّ فقط تجاه نتنياهو، وباتت بحاجة ماسة للولاء الأيديولوجي، بعد أن باتوا يشعرون أن الفوز في الانتخابات لا يؤدي لتحقيق المثل العليا، لذلك باتوا يذهبون مع الأسماء والأشخاص، بدلًا من الانحياز للأفكار السياسية.
يؤكد ذلك أننا نشهد تغييرًا كبيرًا في (إسرائيل)، ويبقى السؤال المهم ليس ما إذا كان نتنياهو سيفوز مرة أخرى في الانتخابات أم سيخسر، لكن السؤال الأكثر أهمية: لماذا تخلت (إسرائيل) عن الجدل الأيديولوجي الذي يصعب تحديده، بدليل ظهور المزيد والمزيد من المبادرات السياسية والانشقاقات الحزبية؟
إن نتيجة هذه التطورات السياسية المتلاحقة أنه لم تشهد الخريطة السياسية في (إسرائيل) أبدًا مثل هذه الفوضى في الكنيست والحركات السياسية الملتوية، والتواصل والانفصال والانضمام والمغادرة، واللافت أن غالبية المجتمع الإسرائيلي لا يديرون نقاشًا مثمرًا حقيقيًّا دون إهانات وألفاظ نابية، الأمر يتعلق بعلاقات اليهود والعرب، المتدينين والعلمانيين، الفقراء والأغنياء، ورغم أن هذه النقاشات ترتبط بالقضايا الدراماتيكية، فإن الإسرائيليين يفضلون إغلاق أعينهم، لأن أيًّا من الأحزاب والحكومات في السنوات الأخيرة لم تقدم لهم العلاج اللازم.
أكثر من ذلك، فإن الإسرائيليين يعيشون أجواء مستمرة من العاصفة، بسبب المعسكرات السياسية والحزبية اليائسة وغير المبالية بالنقاشات الأساسية، مع زيادة الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي تقسم المجتمع الإسرائيلي، الذي لم يعد يركز على البرامج الأيديولوجية، ويكتفي بالتسويق الشخصي لقادة الأحزاب، وهذا أول مؤشرات الفوضى والانهيار.