فلسطين أون لاين

وقفة تربوية مع مناسبة رأس السنة الميلادية

...
المهندس محمود البلعاوي

امتن الله علينا في قطاعنا الحبيب بنعم جليلة تستوجب شكرها، ولعل ما أجلها نعمة الأمن في زمن كثر فيه القتل والهرج، ونعمة الكرامة في زمن الهوان العربي، ونعمة المجتمع المحافظ الملتزم في زمن ظهور الفساد في البر والبحر، ويشهد بذلك القريب والبعيد.

إلا أننا نلمس مع ذلك بعض الظواهر المجتمعية التي تُعارض قيمنا الأصيلة، والتي يروج لها بعض شباب المسلمين بجهل أو بعلم ودراية. والتي من جملتها ما يُقام من مظاهر احتفالية في مناسبة رأس السنة الميلادية مثل إقامة شجرة الميلاد وإضاءتها وظهور شباب أو فتيات بلباس (بابا نويل) وتبادل الهدايا وإقامة الحفلات المخصصة لهذه المناسبة.

إننا هنا نؤكد أن حديثنا هذا لا يتعارض مع حرية إخواننا المسيحيين في إقامة احتفالاتهم وممارسة شعائرهم بكل حرية وأمان تمامًا كما كفلته لهم شريعة الإسلام الحنيف. بل واجب على جهات الاختصاص أن تؤمن لهم تأدية طقوسهم وحرية معتقدهم دون إكراه في الدين. لا سيما أن قطاعنا يتمتع بالاستقرار المجتمعي ولا يعاني أي خلافات طائفية ولا مذهبية ولا عرقية، بل يعيش فيه المسلم والنصراني في بيئة واحدة وفرحهم واحد وحزنهم واحد. يتقاسم غنيهم اللقمة مع فقيرهم ويؤوي بعضهم بعضًا في النوائب.

يا معشر الشباب

لقد أمرنا ديننا الحنيف بأن يعتز المسلم بدينه فيعلي من شأنه ويفاخر به ويدافع عنه ويقف في وجه من يمسه بسوء، ويلفظ أي مظهر من مظاهر التبعية أو الاحتفاء بغيره، ولهذا كان رد النبي ﷺ شديدًا حين جاءه عمر بن الخطاب بصحيفة أصابها من بعض أهل الكتاب، فقرأها على النبي ﷺ فغضب وقال: (أمُتهوِّكون فيها يا ابن الخطَّاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاءَ نقيَّة، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقٍّ فتكذِّبوا به، أو بباطلٍ فتصدِّقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا، ما وسِعَه إلا أن يتَّبِعَني). وقد شدد النبي في تحذيره من ذلك فقال: (ليس منا من تشبه بغيرنا)، فإذا كان هذا في التشبه بغير المسلمين في بعض العادات، فكيف بالتشبه بما هو أبلغ وهو مظاهر العبادات؟

أيها الآباء والأمهات

إن من أجلِ واجباتكم أن تتخذوا من الإجراءات التي تضمن لأبنائكم وبناتكم سلامة دينهم ومعتقدهم، وليس فقط تلك التي تؤمِن لهم طعامهم وشرابهم ولباسهم. فإنكم إن علمتموهم حيازة دينهم كانت حيازة دنياهم عليهم أسهل، وصدق القائل حين أنشد:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان ... ولا دنيا لمن لم يحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين ... فقد رضي الفناء له قرينا

يا أتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم

لقد علمنا التاريخ أن الأمة المهزومة والضعيفة تتشبث بثقافة الأمة الغالبة القوية، وتسعى حثيثة للتطبع بطباعها والتشبه بعاداتها وتقاليدها، فإذا بالجيل يومًا بعد يوم ينسلخ من هويته وقيمه، ويحمل هوية دخيلة يتفاخر بها، بل ويدافع عنها ويستميت من أجلها. ولقد حذرنا نبينا أشد التحذير من مشابهة أهل الكتاب: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه). وفيه كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات شبرًا بشبر وذراعًا بذراع.

والذي يتتبع نصوص القرآن والسنة يجدها تشدد على مخالفة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى يحفظ للأمة دينها، فحذرها تارة: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ)، وأمر بمخالفتهم في لباسهم: (إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِهم فَلَا تَلْبَسوهَا)، وفي حديثهم: (لا تقولوا راعنا)، وفي عبادتهم: (رفض صلى الله عليه وسلم أن يَجْمَعُ النَّاسَ للصَّلَاةِ بنْصِبْ رَايَةً ولا بالْبوق ولا بالنَّاقُوس)، وفي صيام عاشوراء: (خالفوهم وصوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا)، وفي مظهر الوجه والشعر: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بهم)، وقوله: (إِنَّهم لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ)، وقوله: )خَالِفُوهم في الشَّوَارِبَ واللِّحَى)، وفي الأعياد: (إن الله قد أبدلكم بعيدين خيرًا منهما).

من هنا، ونصرة لديننا وعقيدتنا، وحتى لا يتحول شباب وبنات المسلمين إلى إمَّعات، وحتى تتحقق فينا شرط الخيرية: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، أهيب بكل أب غيور وأم غيورة ومربٍّ غيور إلى أن يقدم نصيحة لأبنائه وبناته يبين لهم فيها خطورة هذا الأمر وذلك بالحكمة والموعظة. وأن يمنع أبناءه وبناته من ارتياد الأماكن التي تقام فيها هذه المظاهر. وأن يتابع صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم من أن ينشروا عليها ما يروج لهذه المظاهر. إضافة إلى أن يمنعهم من شراء أي ملابس من تلك التي تباع خصوصًا لهذه المناسبة. وأن يمنعهم من إقامة أي مظاهر احتفالية كالحفلات وتبادل الهدايا وتبادل التهاني وغيرها، أو أن تجتمع العائلة لمشاهدة الأفلام المخصصة لرأس السنة وأعياد الميلاد.

احذروا من تدحرج كرة الثلج

سيكون الحال بالغ الصعوبة لو بقينا نردد أنها مجرد مظاهر بسيطة لن تؤثر في مستقبل أجيالنا، إن الاستهانة بهذه المظاهر ستتحول يومًا بعد يوم إلى جزء متأصل في ثقافة مجتمعنا المحافظ، الأمر الذي ينذر بعد زمن قليل بصعوبة معالجتها. وهذا ما جعل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يقول وهو يعالج مظاهر انحراف الجيل في زمانه: (إني أعالج أمرًا لا يُعين عليه إلا الله، قَدْ فَنِيَ عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجميّ، وهاجر عليه الأعرابيّ، حتى حسبوه دينًا لا يرون الحقّ غيره)، فنندم حينها ولات حين مندم.

وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

ألا هل بلغت اللهم فاشهد.