فلسطين أون لاين

مطبعان متشاكسان على شاشة التلفاز الإسرائيلي

استضافت قناة i24 الصهيونية مساء الأحد الماضي شخصين من المطبعين ليتحدثا عن قرار السلطة الفلسطينية بعودة السفيرين الفلسطينيين إلى أبو ظبي والمنامة.

أما أحدهما فهو الوزير الفلسطيني الأسبق أشرف العجرمي المعروف بثقافته التي تميل بشدة إلى السلام مع المحتل الصهيوني والمعاداة الشديدة لحركات المقاومة، وهو ضيف شبه دائم على القنوات التلفزيونية الصهيونية. وأما المطبع الآخر فهو شخص خليجي يدعى أمجد وتم تعريفه على أنه رئيس مركز دراسات في لندن.

ظهر المطبع الخليجي ومن خلفه الشمعدان رمز الدولة الصهيونية وظهر المطبع الفلسطيني أشرف العجرمي ومن خلفه قبة الصخرة الفلسطينية.

للوهلة الأولى طننت أن الحديث بين الطرفين سينصب على السلام وأهميته لشعوب المنطقة كما هو حديث المطبعين، ولكن تفاجأت بأن المناظرة ما إن بدأت حتى تحولت لسيل من الشتائم المتبادلة بين الطرفين، لم تستطِع المذيعة بسببه السيطرة على اللقاء حتى اضطرت بعد وقت قصير من بدايته على إنهائه لعدم تمكنها من إدارة الحوار.

الغريب في الأمر أن المطبع الخليجي بدأ حديثًا عن زيارته لمدينة القدس وإعجابه الشديد "كما ادعى" بالتعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المدينة، ثم انتقل مباشرة لمهاجمة المطبع الفلسطيني ووصفه بالفاسد الذي طالب الشعب الفلسطيني بمحاكمته، وأنه يترفع عن الحديث معه، وللعجب أن المطبع الخليجي ذكر سبب اتهام الوزير السابق بالفساد أنه طالب من خلال شاشة "إسرائيلية" بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين، وذلك لأن هذه الرواتب تؤدي إلى استمرار العنف، وبالمناسبة هذا قول حق ولكن بكل تأكيد أريد به باطل.

في المقابل بعد أن فرغ الوزير السابق شحنة غضبه بالسباب والشتم للمطبع الخليجي "طبعًا الشتائم كانت شخصية ولم تكن لمواقفه من التطبيع".

عبر عن موقفه من عودة السفراء بأن هذا الإجراء كان بمنزلة العض على الجراح والمحاولة للاستفادة من عملية التطبيع التي تُجرى لصالح القضية الفلسطينية كما يزعم.

هذا التناقض الذي ظهر بين المطبعين يشير إلى عدة قضايا في غاية الأهمية.

أما القضية الأولى: فإن المطبعين الخليجيين يحاولون إظهار أنفسهم بأنهم أحرص على الفلسطينيين من قياداتهم التي باعتهم للصهاينة، ولذا أثار المطبع الخليجي موقف الوزير السابق من قضية الأسرى وحاول بكل قوة استخدام هذا الموقف المخزي للوزير السابق ليظهره بمظهر المسؤول غير الجدير بالاحترام لأنه خان قضية شعبه، وعليه فعملية التطبيع التي تقوم بها دول الخليج الآن هي لصالح الشعب الفلسطيني الذي لم يحظَ بقيادة صالحة تراعي مصالحه.

أما القضية الثانية: فهي أن المطبع الفلسطيني ورغم محاولته الظهور بمظهر المتحدث العقلاني الذي يعتب على إخوانه العرب لاستعجالهم التطبيع قبل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، فإن محاولاته هذه لم تلقَ اهتمامًا من المطبع الخليجي الذي يبدو أنه لم يستقبل إشارة المودة الخفية التي أطلقها المطبع الفلسطيني حيث إن غايتهما مشتركة ولكن اختلفت أساليبها ووسائلها، ولذلك كان الهجوم الشديد من المطبع الخليجي على نظيره الفلسطيني باعتباره غير أهل للحديث معه مخاطبًا المذيعة ومستنكرًا استضافتها لضيفها الفلسطيني عادًّا استضافته "كاستضافة البغدادي أو هتلر".

القضية الثالثة: التي يستطيع كل ذي بصيرة أن يلاحظها أن سَبق التطبيع الفلسطيني مع العدو الصهيوني مصحوبًا بالفساد المستشري في كل المجالات التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية، فتح المجال لكل ضعاف النفوس بأن يندفعوا باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني غير آبهين "بغضب" القيادة الفلسطينية، لأنها سباقة إلى ما ذهبوا إليه، علاوة على أنها قيادة فاسدة لا تستحق الاحترام، وعليه لا يحق لها أن تنتقد ما يقومون به من تصرفات، بِعدِّ تطبيعهم "تطبيعًا نزيهًا" يقابله "تطبيع فاسد"، وهذا ما يحاول المطبوعون الخليجيون إظهاره في لقاءاتهم ومقابلاتهم.

القضية الرابعة: هي أن المسار السياسي الفلسطيني الذي أفلس تمامًا بعد مضي حوالي ثلاثين عامًا دون محاولة جادة من القيادة الفلسطينية لإعادة النظر فيه مكايدة أو معاندة لفصائل المقاومة، أفقدها احترامها لدى القيادات العربية فضلًا عن الشعوب، فلم يعد لتصريحاتها أو لمواقفها أدنى اعتبار يذكر في موازين السياسة العربية باعتبارها غير أمينة وغير قادرة على حمل القضية الفلسطينية، وهذا ما ظهر بمقابلة الأمير بندر على شاشة العربية.

القضية الخامسة: أن الشعب الفلسطيني أصبح أسيرًا للقيادة الفلسطينية العاجزة والتي ثبت عجزها وقلة حليتها عربيًا وإقليميًا ودوليًا من خلال قراراتها المتخبطة والمتناقضة والتي أصبحت سمة ظاهرة لها مثل تجميد التنسيق الأمني ثم التراجع والعودة إليه وكذلك سحب السفراء ثم إعادتهم وإطلاق تصريحات نارية ثم الاعتذار عنها، ناهيك بالتخبط الذي لا مثيل له في إدارة الشأن الداخلي.

ما سبق يدعو كل أبناء الشعب الفلسطيني بنخبه ومثقفيه وفصائله وصناع الرأي إلى اتخاذ موقف جاد لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية باختيار قيادة فلسطينية تكون قادرة على قيادة المشروع الوطني في ظل هذا الظرف الخطر التي تمر به القضية الفلسطينية والتحرك في هذا الإطار أصبح ضرورة وطنية ملحة لا مجال لتأخيرها إذا لم يكن الوقت أدركنا فعلًا.