مع بدء العد التنازلي لتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، تتنامى في (إسرائيل) الدعوات المطالبة بإصدار مبادرة سلام تجاه الفلسطينيين، بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، وإدارتها الديمقراطية الجديدة، ما يتطلب في الأساس ألا يُنظر إلى تغيير الإدارة في واشنطن على أنه تهديد لصانعي القرار في تل أبيب، لأنه من المتوقع أن تظهر إدارة بايدن-هاريس قدرًا كبيرًا من الصداقة معها، باعتبارها حليفها الصغير.
في الوقت ذاته، يبدو أن هناك خلافات في الرأي بين واشنطن وتل أبيب حول قضيتين رئيستين تؤديان لتوترات ثنائية، وهما القضيتان الإيرانية والفلسطينية، لأنه من أجل تحقيق تنسيق أكبر في التعامل مع طموحات إيران النووية، القضية الأهم لـ(إسرائيل)، فهي تحتاج لتقليل الاحتكاك مع الولايات المتحدة على الجبهة الفلسطينية، رغم أن الفلسطينيين لا يتوقعون أن تكون طموحاتهم على رأس أولويات بايدن.
يزعم الإسرائيليون أن الاستراتيجية الفلسطينية في السنوات الأخيرة لتوجيه المجتمع الدولي لفرض انتكاسات على (إسرائيل) لم تحقق نتائجها، وأن الاعتقاد بأنها تحولت دولة مجذومة ومعزولة كنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لم تنجح، ولذلك غيرت السلطة الفلسطينية اتجاهها، بتجديد التنسيق الأمني، وإعادة سفرائها للخليج، وهي تتطلع للإدارة الجديدة في واشنطن كي يأتي الخلاص من هناك، لممارسة الضغط على (إسرائيل)، وهو تطلع ليس له ما يسنده أو يؤيده.
القراءة الإسرائيلية ترى أن بايدن يتعين عليه التعامل أولاً مع طاعون كورونا، والاقتصاد المتعثر، وهناك احتمال ألا يسير على خطى أوباما، لأن الصيغة الأمريكية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستخدمة لدى الإدارات الأمريكية فشلت مرارًا وتكرارًا، ما قد يجعل صانعي القرار الإسرائيلي مضطرين لإطلاق مبادرة سلام قريبًا، لتحافظ على الأسس المتضمنة في صفقة القرن.
هنا تحتاج (إسرائيل) للتحدث بلغة اعتادها الديمقراطيون في الولايات المتحدة، ويفضلون سماعها، في حين تحتاج الإدارة الجديدة للإقناع بأن التقدم نحو السلام يتطلب التخلي عن حلم الحل القسري، الذي أضر بمستقبل الفلسطينيين.
وفي هذه الحالة تزعم (إسرائيل) أنها مطالبة بتقديم حوافز اقتصادية للفلسطينيين، بمساعدة دولية، واتخاذ خطوات تعكس مفهوم "من القاعدة إلى القمة"، والاهتمام بالفلسطينيين في محنتهم الاقتصادية، وبعد سنوات من المحاولات الفاشلة لحل النزاع، يجب على (إسرائيل) تبني مقاربة تقبل بـ"إدارة الصراع"، وتهدف لتخفيف المعاناة لدى الطرفين، وتحقيق التعايش المعقول، ويجب أن يكون هذا أساس مبادرة السلام الإسرائيلية.
الفرضية الإسرائيلية تسعى لحشد الدعم لمبادرتها السياسية مع الفلسطينيين من واشنطن وشركائها العرب، الذين طبعت معهم حديثًا، بزعم أن هذه المبادرة توفر مدخلًا لتشكيل السياسة الأمريكية الانتقالية، للتأثير في الجهات الموالية لـ(إسرائيل) داخل الحزب الديمقراطي والإدارة والكونغرس؛ تمهيدًا لإنشاء تحالف إقليمي هادف لمواجهة إيران، وهو استغلال ساذج للقضية الفلسطينية، ومحاولة ركوب موجتها.