ما أن أعلنت حركة حماس، انتخاب القيادي في الحركة إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي خلفا للأستاذ خالد مشعل؛ حتى انبرى الكتاب والمحللون لمعرفة انعكاسات ذلك داخليا وخارجيا، وأخذ الدروس والعبر منه.
أولى تلك الدروس التي نقلتها حماس لكل الحركات والأحزاب في فلسطين المحتلة والعالم العربي، أن لا عبادة لأشخاص أو تأليه أيا كان من البشر، ومهما كان موقعه وإنجازه، فالعبادة لله الواحد القهار، والتأليه هو لله الفرد الصمد.
شكلت الانتخابات الداخلية لحماس صورة ونموذجا راقيا قل نظيره في عالمنا العربي، وعكس التحول القيادي السلس في أعلى سلم الهرم؛ قوة وتماسك الصف الداخلي لحركة حماس، ورسخ مأسستها وشوريتها، وعزز احترامها للوائحها الداخلية، وهو تأكيدٌ على أنها حركة ولودة تضخ دماء جديدة، وتجدد قياداتها في كل المستويات التنظيمية واللجان والدوائر المختلفة بشكل دوري؛ وهو ما أغاظ خصومها وأعداءها.
كل شيء يتغير ويتطور من حولنا؛ وحماس تتغير وتتطور، وتغيير قادتها هو جزء من السنة الكونية التي قضت بالتبدل والتغير، فالشجر يغير أوراقه، ولكن لا يغير جذوره، وفصول السنة تتغير وتتبدل، والإنسان ليس بخارج عن معادلة الكون الصحيحة والسليمة.
انتخاب هنية أعطى صورة طيبة ومشرقة عن حماس؛ فقدمت حماس نموذجا سلسا في التحول القيادي داخل أطر ومؤسسات الحركة، بكل أريحية وشفافية، بعيدا عن الانقلابات والقتل والتصفيات والتهجمات التي تجري عادة داخل الأحزاب والدول العربية.
سيعمل هنية بكل قوة ويضع على سلم أولوياته مواصلة وتكثيف الجهود لتمتين العلاقات الفلسطينية الداخلية وترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز صمود شعبنا؛ وهي مهام ليست بالهينة، ولكن هنية لها ومعه كل ابناء حماس والمخلصين من شعبنا.
برغم كل المعيقات؛ وأهمها وجود الاحتلال الذي يمنع الحركة والتواصل؛ جرت الانتخابات خلال جلسة في غزة والدوحة في وقت متزامن، بواسطة نظام الربط التلفزيوني "الفيديو كونفرنس"؛ حيث كان من المفترض أن يسافر عدد من قادة حماس، وعلى رأسهم "هنية"، للمشاركة في الانتخابات، إلا أن إغلاق معبر رفح، حال دون ذلك.
الان يعتبر اسماعيل هنية الرئيس الثالث لمكتب الحركة السياسي لحماس، فقد شغل المنصب لأول مرة الدكتور موسى أبو مرزوق الذي انتخب في العام 1992 وحتى العام 1995، ثم خالد مشعل، الذي شغل المنصب منذ العام 1996 وحتى الآن.
وسيرة القائد الجديد كلها مواقف وأفعال طيبة؛ فإسماعيل هنية ولد عام 1963، لأسرة فلسطينية لاجئة، وبدأ مبكرا نشاطه السياسي داخل "الكتلة الإسلامية" الذراع الطلابي لحماس، اعتقلته قوات الاحتلال عام 1989 لمدة ثلاث سنوات، وفي 17 كانون الأول/ديسمبر عام 1992 أبعده الاحتلال إلى جنوب لبنان.
وخلال الانتفاضة الأولى برز هنية كأحد قادة حماس الشباب، وشغل هنية منصب مدير مكتب احمد ياسين، وتعرض هنية لمحاولة اغتيال إسرائيلية بينما كان برفقة الشيخ ياسين في 6 أيلول/سبتمبر عام 2003، عندما ألقت طائرة حربية قنبلة على منزله.
وخلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، ترأس هنية كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحماس، والتي حصدت غالبية المقاعد، ليشكل الحكومة الفلسطينية العاشرة، بقي رئيسا لحكومة تسيير الأعمال في غزة، وترك منصبه منتصف 2014 بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني، وكان يتولى حينها منصب: نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ويعد هنية من أبرز من نادى بالمصالحة الفلسطينية مع حركة فتح، وأعلن قبوله مرات عدة بالتنازل عن رئاسة الحكومة في إطار المصالحة الشاملة، ومنذ ذلك الوقت، يشغل هنية منصب قائد حركة حماس في قطاع غزة، ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة.