شن جيش الاحتلال الإسرائيلي في منتصف نوفمبر هجومًا واسع النطاق ومعلنًا على سوريا، أصاب مستودعات أسلحة وبطاريات صواريخ أرض-جو ومقرات عسكرية سورية وإيرانية، وشكل الهجوم تتويجًا لما تعيشه المنطقة الشمالية منذ يوليو من حالة توتر زائدة، إذ حاول حزب الله عدة مرات الانتقام لمقتل أحد كوادره في سوريا، دون جدوى، وجاءت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا كإشارة للحزب بأن المعادلة التي وضعها لا تردعها.
على غرار السلوك الذي تتبعه (إسرائيل) في المنطقة الجنوبية، فيبدو أنها والحزب تبنيا فكرة أن التصعيد سيكون بمنزلة عدة أيام من القتال، يمكن احتواؤه وإدارته بطريقة محكومة، لكن الضرر المحتمل للتصعيد في الساحة الشمالية، يتجاوز بكثير حجم الضرر الذي قد تلحقه غزة بـ(إسرائيل)، وقد يجعل من الصعب على طرفيه السيطرة على التطورات، ومنعها أن تصبح حملة واسعة النطاق.
موقف (إسرائيل) الاستراتيجي من الجبهة الشمالية، يتزامن مع الانتقال بين إدارة الرئيسين ترامب وبايدن، ومن المحتمل أن تهاجم واشنطن بهذه المرحلة أهدافًا إيرانية، وهو تطور قد يثير رد فعل إيرانيًّا عبر مبعوثيها ضد (إسرائيل)، التي تواجه وباء كورونا والأزمة السياسية.
يتزامن التوتر الحاصل في الجبهة الشمالية مع عدم استعداد المؤسسة العسكرية والأمنية لعملية صنع القرار، بسبب عدم الموافقة على ميزانية الدولة، بما فيها ميزانية الجيش، وعدم اتخاذ قرار حتى الآن بشراء أنظمة وأسلحة جديدة، ولم تتم الموافقة على خطة "تنوفا" متعددة السنوات.
أي استعداد لمواجهة حرب محتملة في الجبهة الشمالية يتطلب تكييف عمليات التدريب، وتنفيذ أنظمة قتالية، أو طائرات جديدة يستغرق وقتًا، وتقوم (إسرائيل) بتشغيل بعض طائراتها وطائرات الهليكوبتر، لكن السؤال يبقى عن مدى قدرة (إسرائيل) على إدارة مواجهة عسكرية محتملة في الشمال في ظل غياب الحوار بين الحكومة والجيش، ما يتطلب عنصرًا حاسمًا بقدرتها على اتخاذ قرارات حيوية في المجال الأمني فيما يتعلق ببناء القوة، ولا يقل أهمية في مجال عملياتها الميدانية.
إن أي تصعيد ميداني في الجبهة الشمالية لا بد أن يترافق مع إجراء تدريب متعدد الأنظمة، بما يحاكي حملة عسكرية على أكثر من ساحة، على أن تنفذ مع قوات الاحتياط، بجانب تدريبات إضافية للقوات النظامية والاحتياطية، وعقد المزيد من الدورات التدريبية الإضافية في الأشهر المقبلة.
رغم التقدير الواسع النطاق بأن خطر الحرب مع حزب الله منخفض، خاصة في الوقت الحاضر، ومع تشكيل إدارة جديدة في الولايات المتحدة، لكن جيش الاحتلال يخشى من عدم الحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية والاستعداد، قبل وقوع أي تطورات غير متوقعة في سوريا وغرب العراق.