ما زال الإسرائيليون منشغلين باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، زاعمين أن قتلته ظهروا من العدم، واختفوا في أي مكان، لكن طهران تعرف أنه كان على الاستهداف، لكن القتلة تركوا وراءهم القليل من المؤشرات التي يمكن ملاحظتها، باستثناء أمر واحد لم يتبقَّ في الميدان، لكنه واضح للجميع وهو أن المؤسسة الإسرائيلية مسؤولة عن الاغتيال.
تزعم إسرائيل أن فخري زادة قتل بالطريقة الكلاسيكية برصاصة في الرأس، لكن هذا كان مجرد تصعيد لعملية معقدة وجريئة، ربما بدأت قبل عدة أشهر من الاغتيال، أو سنوات، لأن القتيل، قائد الجانب العسكري للمشروع النووي الإيراني، كان على الهدف لفترة طويلة، قبل وقت طويل من اتخاذ قرار بإلحاق الأذى به.
أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عملت بشكل منهجي، فهي تجمع خططها حسب الموضوعات المحددة، على مدار سنوات عديدة، ولا تتوقف أبدًا، وتتم فهرسة أي عنصر جديد من المعلومات المجموعة من المعلومات العلنية أو السرية، وأرشفتها، في حالة الحاجة إليها يومًا ما، ويتضمن ذلك التفاصيل التي تبدو تافهة مثل عناوين السكن والعمل وأسماء أفراد الأسرة وزملاء الدراسة.
اغتيالات الماضي بدت معقدة للغاية، وتطلبت وجودًا ماديًا على الأرض لتنفيذ الجزء الأكبر منها، أو تنشيط العملاء المرسلين لجلب معلومات محددة، لكن التكنولوجيا اليوم جعلت الاغتيالات أسهل بكثير، حيث يحتفظ معظم المستهدفين بحياتهم على الهاتف والكمبيوتر وشبكات التواصل.
وقد بات بالإمكان اقتحام كل هذه المعلومات، للحصول على صورة جيدة للهدف المطلوب، ولذلك قد تساعد ثروة البيانات التي تم الحصول عليها من الأطراف المعادية في بناء صورة استخباراتية للأهداف المستقبلية، ومنهم فخري زادة.
بمجرد تحديد البرنامج النووي الإيراني كهدف أمام إسرائيل، سعت بجمع المعلومات عنه، فيما يخص المرافق والبرامج والمشاركين، وهذه ممارسة كل جهاز استخبارات، في كل قضية، وهكذا تتصرف المخابرات الإسرائيلية في كل قضية: جمع كل التفاصيل عن الجيش السوري وحزب الله والمنظمات الفلسطينية في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، وكل ما قد يتطلب معلومات استخباراتية أو عملياتية أو سياسية.
بالنظر لدوره البارز في المشروع النووي الإيراني، فقد كان لفخري زادة ملف في الموساد، وتم جمع كل المعلومات عنه: المهنية، والعائلية، والشخصية، والسيارة التي يسافر بها، والأشخاص الذين يوصلونه لمكتبه، ويعملون معه، وصديقات زوجته، ومن أين يشتري الملابس، والمطاعم التي يحب تناول الطعام فيها، وما هواياته.
لا ينبغي الاستخفاف بطريقة الموساد الجديدة، فرغم جميع الاحتياطات والضوابط، فإن عتبة المخاطر بمثل هذه العمليات مرتفعة للغاية، فقد تقع حوادث غير متوقعة دائمًا، وتفشل العملية، والقبض على مرتكبيها، وإذا حدث هذا، فمن الأفضل دائما أن من يجد نفسه بغرفة الاستجواب أو المشنقة، ليس إسرائيليا، بل مرتزقا.