يواصل الأسرى الفلسطينيون معركتهم الكبرى، وذلك من خلال استمرارهم في إضرابهم عن الطعام سلاحهم الأمضى والوحيد المتاح لهم في أسرهم، والذي تلجأ إليه الحركة الأسيرة في الأوقات الصعبة التي يضيق فيها الأفق ويغلق فيها السجان آذانه عن الاستجابة لمطالب الأسرى الإنسانية والتي تقرها المواثيق والقوانين الدولية.
لقد تغولت مصلحة السجون الإسرائيلية في إجراءاتها التعسفية ضد الأسرى الفلسطينيين، وباتت تمارس سياسة تفضي إلى تخليص الأسرى من كافة الإنجازات التي حققوها خلال عشرات السنين من خلال نضالهم الطويل والمتراكم والذي أدى في بعض الأحيان إلى سقوط شهداء في سبيل تحسين ظروف الحياة اليومية.
يخوض الأسرى نضالهم بأمعائهم الخاوية، وهم يعلمون أنّ عملهم هذا ليس من أجل طلب الإفراج عنهم، والذي لا يتمّ إلا من خلال انتهاء محكوميّاتهم، أو من خلال صفقات تبادل الأسرى والتي حدثت أكثر من مرة في حين يعوّل عليها الأسرى وخاصة ذوي الأحكام العالية وأصحاب المؤبدات بأن تفضي إلى تحريرهم من قيد السجان، والتي كان آخرها صفقة وفاء الأحرار والتي أُفرج من خلالها عن أكثر من ألف أسير عدد كبير منهم من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدة.
يرى الأسرى أنّ خوضهم للإضراب عن الطعام، يقودهم للوصول لمستوى أفضل في تحسين مستوى حياتهم القاسية داخل جدران السجن، ولكنّ معاناتهم لا تنتهي بتحسين وجبة طعام هنا أو وصفة طبية هناك، إنّ منظومة المتطلبات الأساسية التي يجب أن تتوفر للسجين قياساً بالمعايير الدولية هي منظومة مختلة، يضطر المعتقل للتعايش معها في هذه الظروف لفترات قد تطول وقد تقصر إلى أن يأذن الله لمن كَتبَ له الفرج.
لا يروق للأسرى الفلسطينيين طيب العيش فوق معاناة السجن وهم يرون عائلاتكم، زوجات وأمهات وبنات وأبناء الأسرى، يعانون علاوة على فقد الأحبة، مرارة الزيارة التي وإن تجاوزوا فيها الخروج في ساعات الليل وصعوبة التنقل والعبور على الحواجز العسكرية، ما يرونه من إذلال وكسر إرادة داخل أسوار الزيارة، والتي لا تليق بمعاملة النساء وكبار السن والأطفال، وما يزيدها سوءاً على قصر مدتها، التفتيش المذل للنساء من زوجات وبنات وأمهات الأسرى، والذي يصل إلى أشبه ما يكون بالتفتيش العاري، مما يجعل عددا من الأسرى يتنازل عن الزيارة بطلبه من ذويه عدم المجيء أو تقليلها إلى الحد الأدنى.
يرى الأسرى الفلسطينيون الكثير من المعاناة، والتي تتجاوز المداهمات المفاجئة لغرفهم إلى التخريب المتعمد لممتلكاتهم المتواضعة التي تشكل جزءا من عالمهم المحدود والمغلق، لتصل أحياناً وعلى أتفه الأسباب إلى الاعتداءات الجسدية عليهم وخاصة عند تنقلهم بين السجون أو ذهابهم إلى المحاكم العسكرية والتي هي بحد ذاتها جحيم آخر من العذاب، فالذهاب للمحكمة العسكرية من سجن النقب إلى سجن عوفر قد تطول لثلاثة أو أربعة أيام وأحياناً أكثر من ذلك.
لقد حقق الأسرى خلال إضراباتهم إنجازات كثيرة، كان على رأسها قضية التعليم سواء امتحان التوجيهي أو الالتحاق بجامعات معينة، مما يجعل السجين يقضي جزءاً مهماً من وقته بفائدة قد تنعكس على حياته المستقبلية، وتتعامل مصلحة السجون في هذه القضية بصورة انتقائية، وأحياناً تجعلها وسيلة من وسائل العقاب حيث تحرم الأسرى منها في الوقت الذي تتذرع فيه بذرائع معينة، بعد أن يكون الأسير قد أمضى جزءاً كبيراً للوصول لنيل الشهادة الجامعية.
لقد ضاق الأسرى ذرعاً، بعد أن استنفدوا كل وسائل الحوار التي لم تفض إلى الوصول لنتيجة مع مصلحة السجون، تؤدي إلى نزع فتيل الأزمة. من هنا جاء هذا الإضراب بعد أن أعدَّ له الأسرى عدتهم، مقبلين عليه واجباً لتحسين ظروف عيشهم، وبعد أن أنذروا إدارة السجون بخوضه إنْ هي صمّت الآذان عن الاستماع لمطالبهم.
لقد حقق الأسرى فوائد عدة في إضرابهم هذا وقبل وصولهم لتحقيق مطالبهم، إذ توحدت خلف هذا الإضراب الحركة الأسيرة من خلال اشتراك أفراد وقيادات من كافة الفصائل، وذلك بعد أن ترهلت هذه الحركة بعد أحداث الانقسام عام 2007م، إضافة لتوحيد الشارع الفلسطيني بكافة فصائله داعمين ومشاركين في فعاليات نصرة الأسرى دون النظر لألوانهم الفصائلية، لتثبت قضية الأسرى في كل مرة أنها قضية وحدوية يلتف عليها الشارع الفلسطيني بجماهيره وفصائله.
يعلم الأسرى علم اليقين أنّ وقوف شعبهم خلفهم يعد داعماً أساسياً ومهماً لقضيتهم العادلة، ووصولهم لتحقيق مبتغاهم، وكذلك تعلم دولة الاحتلال أنّ خطر هذا الإضراب يكمن في تحريكه الشارع الفلسطيني، وانعكاسه في أحداث تهدد أمن دولة الكيان الإسرائيلي، تكون لها بداية ما ولكن قد تطول لتتحول إلى هبّة شعبية ونخبوية تخلط حسابات البعيد والقريب.