يكثر الحديث هذه الأيام عن الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة رامي الحمد الله التي قدمت استقالتها وأصبحت حكومة تسيير أعمال، والتي تشكلت كحكومة وفاق وطني عام 2013م، والحديث عن تغيير الحكومة لا يكون مجتزأً وبعيداً عن بعض الدوافع والمؤثرات التي فرضت هذا التغيير.
بداية فإنّ الناظر للساحة السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية على وجه الخصوص لا يرى سوى الجمود الناتج عن توقف مشروع منظمة التحرير وفشل مسار التفاوض الذي انتهجته المنظمة قبل ربع قرن من الزمان، والذي قاد إلى ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية، فقد وقعت منظمة التحرير ووفودها المفاوضة في شرك ودهاليز السياسة الإسرائيلية المبنية على أسس وأركان اعتمدتها قبل قيام الدولة العبرية؛ وهي أن لا يقوم كيان سياسي غير (إسرائيل) ما بين النهر والبحر، وما كان من مفاوضات طويلة إنما كان بيعا للوهم والتضليل بقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام1967م.
لقد انكشفت سوأة مسيرة السلام بصورة فاضحة بعد موقف الإدارة الأمريكية باعترافها بمدينة القدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة، إضافة لموقفها من ملف اللاجئين ووقف دعم وكالة الغوث، وبدا واضحاً أن أمريكا الوسيط الوحيد في عملية التسوية قد حسمت ملفات تفاوض الوضع النهائي قبل الجلوس على الطاولة، وبدأت تروج لصفقة القرن المبنية على تثبيت الاحتلال على جزء كبير من أراضي عام 1967م، وروجت بتشجيعها بدعم مالي كبير للسلطة الفلسطينية لو وافقت على ذلك.
كان من المأمول أن تتجه السلطة لتعزيز قوتها من خلال بذل جهود استثنائية لتعزيز الوحدة الفلسطينية وبناء موقف فلسطيني موحد والعمل على إنهاء الانقسام وإزالة آثاره، كخطوة أولى لمواجهة حالة الاستنزاف التي وصلت إليه القضية الفلسطينية، ويعقب ذلك صياغة برنامج وطني شامل بشراكة وطنية كاملة؛ مبني على مواجهة الصعوبات التي حالت دون الوصول إلى الأهداف الوطنية المُجمع عليها.
لقد كانت خطوة حلّ المجلس التشريعي الصادر عن المحكمة الدستورية، خطوة ستؤدي بالضرورة إلى إشغال الفراغ الناتج عن انسداد الأفق السياسي في الفترة الحالية، إضافة لكونها خطوة تعبر عن اشتداد الخصام السياسي مع حركة حماس التي تملك الأغلبية في هذا المجلس، كما أنّ ذلك يهدف إلى التخلص من حضور حركة حماس بصورتها الرسمية التي حصلت عليها من خلال انتخابات نزيهة، ممّا يمهد إلى مرحلة قد تزيد فيها حركة فتح من خلال المؤسسات الرسمية التي تسيطر عليها من زيادة الضغط على هذه الحركة، كتعزيز إضافي لصورة الانقسام.
يمهد حل المجلس التشريعي إلى زيادة الحراك الفتحاوي الداخلي، الذي يسعى إلى تعزيز سيطرته التامة على كل مفاصل الحياة السياسية، ومن هنا جاءت قضية تغيير الحكومة التي هي أصلا حكومة مشلولة من الناحية السياسية، فهي لمتستطع أن تشكل واجهة أمام الإجراءات الأحادية التي يفرضها الاحتلال، سواء في مدينة القدس المحتلة أو مصادرة الأراضي في الضفة الغربية وتعاظم البناء الاستيطاني، وهي تكتفي بالاستنكار والشكوى ، حتى لا تتواجه مع قرارات عقابية من دولة الاحتلال.
ستكون الحكومة الفلسطينية القادمة بمثابة شَرك تقع فيه حركة فتح، وستزيد عليها أعباء سياسية أكثر وضوحاً، وستكون الاستحقاقات المرجوّة منها أوضح مما هي عليه خلف ستار أي حكومة مضت، وسيكون مطلوبا منها أن تجيب عن الكثير من الأسئلة السياسية أمام جماهيرها خاصّة والشعب الفلسطيني عامّة وذلك من خلال السياسة المتوقعة في مواجهة الصعوبات التي نتجت عن فشل مسيرة التسوية وقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967م.
يتفق الكثيرون على أنّ هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها القضية الفلسطينية ويحياها الشعب الفلسطيني، تحتاج الكثير من الترابط والوحدة ورصّ الصفوف، للبدء في أولويات مهمّة مفقودة في هذه المرحلة، على رأسها حماية الشعب الفلسطيني، وصيانة ترابه وأرضه ومقدساته التي تسلب في كلّ يوم.