بعد كل خطاب لأبي عبيدة أو بيان لكتائب القسام ينبري عدد من الكتاب والمحللين والسياسيين لإطلاق التكهنات والتحليلات المبنية على اجتهادات شخصية، وتحليلات غير واقعية لمدلولات الخطاب وماهيته، والمقصود منه والرسالة المبتغاة، وغيرها من تلك التحليلات التي ترفع من آمال الأسرى وتوقعاتهم.
من يعتقدون بأنهم أصحاب خبرة أمنية وسياسية ويطلقون تلك التحليلات لا يعلمون ما مدى انعكاسها وتأثيرها على نفسيات الأسرى وذويهم، بل لا يدركون أن هناك المئات يعيشون على ذلك الحلم، وينتظرون كلمة يطفئون بها نار المعاناة المستمرة منذ عشرات السنين، بل يطلقون العنان للتخيلات، إلى درجة تصل بهم إلى أن يقترح الأسير على نفسه لونًا لدهان جدران غرفة نومه.
أنا مقتنع وأؤمن تمامًا بأنه في النهاية سيخضع الاحتلال وسيوافق على إجراء صفقة تبادل، ولكن هذا الأمر قد يحتاج إلى وقت طويل، وهو أمر ليس بالسهل أو الهين، فهو حتى هذه اللحظة لم يعترف بوضوح بأن له أسرى لدى المقاومة، وهو يصنفهم قتلى، وأقام سابقًا شعائره الخاصة بعملية الدفن المتبعة في كيانه المزعوم، وأبلغ ذويهم بذلك، حتى إنه يصرف لهم من المخصصات ما يوازي ذلك.
الاحتلال لكي يغير فقط من اعتقاده ويصدق بأن لدينا جنودًا أسرى أحياء يحتاج إلى دليل ملموس، والمقاومة تؤكد أنه لا معلومات بالمجان، والاحتلال لا يريد أن يقدم لنا إنجازًا، خاصة بعد الإخفاق الواضح له في الحرب الأخيرة على غزة، وهذا وحده قد يحتاج لوقت ليس بالقصير، ولا أتحدث هنا بدافع الإحباط، لكن بدافع المشفق على الأسرى وذويهم من انعكاسات التحليلات والتوقعات غير المسئولة، لمجرد الخروج على وسائل الإعلام للحديث في دلالات الخطابات وتفسيرها.
بعد خطاب "أبي عبيدة" الأخير الموجه للأسرى وصل بعض في تحليلاته إلى أنه هناك مفاوضات تجرى في الخفاء، وأن هناك قوائم سلمت للاحتلال، وأن تهديد القسام برفع الأعداد يؤكد ذلك، وجعل بعض يتصور أن الأسرى باتوا على الأبواب وينتظرون توقيع الصفقة.
بصفتي متخصصًا ومتابعًا جيدًا لملف الأسرى أستبعد على الأقل في الوقت الحالي أن يكون هناك مفاوضات مع الاحتلال بشأن صفقة قادمة، وفي اعتقادي إن جرى حديث في وقت سابق فهو من باب جس النبض فقط، واستطلاع مواقف الآخر، ولا أعتقد بأن هناك قوائم قدمت، وإن تصريح القسام نابع من كونه يعرف جيدًا من هم الأسرى الذين سيطالب بالإفراج عنهم في أي صفقة قادمة، وهذا الأمر ليس جديدًا؛ فالأسماء معروفة وتدور في جلها حول المئات من أصحاب المؤبدات، والأحكام العالية، والقدامى، وهم محور قضية الأسرى.
لذا من باب الرأفة بالأسرى وذويهم نترك هذا الأمر للمعنيين وأصحاب الشأن، فهم أقدر منا جميعًا على معرفة خبايا هذه القضية، ونحن على ثقة عالية بهم، وبإدارتهم لهذا الملف الحساس.