تشهد الضفة الغربية وشرقي القدس المحتلة موجة جديدة من عمليات تسريع البناء الاستيطاني وهدم وإخلاء منازل الفلسطينيين، تسبق تنصيب الرئيس الأمريكي بايدن، وهذا التسريع في البناء الاستيطاني يمنع قيام حل الدولتين عبر قطع التواصل الديموغرافي بين شرق القدس وبيت لحم بالضفة.
لم تقُم إسرائيل بذلك خلسة، بل تجلى بزيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للمستوطنات، التي تمت في وضح النهار، والفهم الإسرائيلي أن التسريع محاولة في اللحظة الأخيرة من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس دونالد ترامب، وبالتالي فإن جهودهما الاستيطانية ليست فقط لتأسيس حقائق لا رجوع فيها على الأرض، ولكن أيضًا لتأسيس معيار جديد من شأنه أن يحقق إسرائيل الكبرى، والانفراد الإسرائيلي بالقدس.
لكن الواقع بات أكثر تعقيدًا مما يدركه الإسرائيليون، فلا شيء يكشف عن هذه النية أكثر من الاستيطان المتسارع في القدس وحولها، الذي سينشئ حاجزًا حقيقيًّا بين شرق القدس وبيت لحم جنوبا، ما يجعل من المستحيل رسم حدود على أساس ديموغرافي.
وبهذا المعنى، فسيكون لها تأثير مدمر في إمكان حل الدولتين في المستقبل، ولا عجب إذًا أن المجتمع الدولي عدَّ أن لهذا البناء الاستيطاني آثارًا استراتيجية على أي ترتيب محتمل، حتى إن معارضة شبه كاملة بين حلفاء إسرائيل المقربين قد تمنعها من تنفيذ هذه الخطة.
في السنوات الأخيرة، عبرت 17 دولة أوروبية عن قلقها العميق، ومعارضتها القوية والمشتركة للخطط الاستيطانية، مع أن البناء الأخير ليس الخطة الاستيطانية الوحيدة بشرقي القدس التي اتخذت الطريق السريع، إذ ظهرت خطة أخرى عندما طلب نتنياهو الإذن من بومبيو لبدء بناء حي استيطاني جديد في عطيروت شمالي القدس، لخلق حقائق على الأرض قبل تولي بايدن منصبه في يناير.
مخططات أخرى موجودة لتغيير الخريطة في القدس، وسحق إمكان تسوية الدولتين، ففي فبراير، أعلن نتنياهو لأول مرة عن نيته نشر المناقصات الاستيطانية في خِضم حملة انتخابية حول مصيره السياسي، بالبناء في منطقة A1، وجنبًا إلى جنب، هناك المستوطنة القائمة في غيلو، وجبل حوما، وجفعات هاماتوس، وتوسيع مستوطنة هار غيلو، وسيتم إنشاء منطقة عازلة كاملة بين شرقي القدس وبيت لحم.
مستوطنة A1، هي الأكثر شهرة لبناء المخططات الأخرى، وستقسم الضفة إلى كانتونين منفصلين، ما يحول دون اندماج القدس ومحيطها في أي دولة فلسطينية، وسيكون تأثيرها مدمرًا على أي ترتيب مستقبلي يعتمد حل الدولتين.
المشاريع الاستيطانية التي يشرف عليها نتنياهو ترمز إلى رفضه حل الدولتين، وستجعل تطبيق هذا الحل مستحيلًا في الواقع، وكأنه يوجه رسالة واضحة إلى بايدن: "لا تفكروا في حل الدولتين، القدس خرجت عن طاولة المفاوضات، وستبقى خارجها".