يطالعنا الأسير البطل عمار الزبن برواية جديدة حملت اسم (الطريق إلى شارع يافا) يتناول فيها فصول انطلاق كتائب القسام في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، وتفاصيل العمل الجهادي لوحدة نخبوية تتبع القسام كانت تعرف بوحدة "الشهداء لتحرير الأسرى"، والتي انطلقت من مدينة نابلس وقراها، وسجلت أبرز وأهم العمليات في الضفة الفلسطينية، وكانت منها عمليتان استشهاديتان عام 1997 في سوق "محانيه يهودا"، وفي طريق "بن يهودا" في شارع يافا بالقدس المحتلة، فما قيمة هذه الرواية؟ وماذا نعرف عن كاتبها؟ ومن هم أبطالها؟ وكيف يمكن أن تشكل مصدر إلهام للشباب الثائر في الضفة؟
أولًا: قيمة الرواية
الرواية تؤسس لميلاد جديد من الأدب المقاوم في تاريخ العمل الجهادي الذي سطرته كتائب القسام في الضفة الفلسطينية، حيث تنقل القارئ ليعيش المشهد كأنه ماثل أمامه، وهو يشاهد بداية الانطلاق، وشرارة التأسيس، وعنفوان المقاوم العنيد، وحرص المجاهد ويقظته وفطنته، وفصول المطاردات الساخنة فهم مطاردون للاحتلال وفي ذات الوقت يطاردون الأهداف؛ ليظفروا بها بالبنادق والقنابل والأدوات البسيطة التي أحدثت تحولا هز الأمن الإسرائيلي.
سطور تنظمها الرواية لتكون شاهدا حيا على تاريخ حافل من العمل، وعلى معاناة تشهد لها الكهوف والجبال والوديان التي عشقت رائحة البارود واستضافت المجاهدين الأبطال، رواية تضيء تاريخًا مشرقًا لحقبة طاهرة، وهي تأريخ لمرحلة نضالية عامرة بالتضحيات، فهي حروف تحفر في ذاكرة التاريخ مشاهد وعناوين لأسماء الأبطال وحكاياتهم المجيدة، وترسل لروحهم لمسات الوفاء، وقسم البقاء على العهد.
ثانيًا: كاتب الرواية
عندما نكتب عن هذه الرواية القيمة بما لها من دلالات وطنية كبيرة وبما تحمل من حكايات نضالية وكفاحية أسست للعمل المقاوم، وبما تركت في نفوسنا وكل من يقرؤها عظيم الأثر، فإنه لا يمكن لنا أن نمر مرور الكرام عن سيرة كاتبها المبدع، وقد اطلعت على سيرته العطرة ومسيرته الجهادية، وأعجبت بحروفه وبلاغته، وروحه المتألقة التي استطاعت ترتيب هذه الرواية في نسق إبداعي حقيقي بعيد عن ترف الخيال.
إنه الأسير عمار عبد الرحمن الزبن (45) عامًا، صاحب المؤبدات الـ(27) من مدينة نابلس، وقد أنهى (24) عامًا في السجون الصهيونية، العضو في كتائب القسام والمسؤول عن العديد من العمليات ضد الاحتلال، إنه الأسير الذي حول عذابات الأسر، وقهر السجان لفرصة نادرة يطير من خلالها في فضاء الأدب، مترجمًا تضحياته وإخوانه لروايات إبداعية راقية، وقد كان له أعمال سبقت هذه الرواية، منها: "عندما يزهر البرتقال" و"من خلف الخطوط"، و"ثورة عيبال"، و"أنجليكا"، ورواية "الزمرة".
ثالثًا: أبطال الرواية
إن شباب المقاومة في الضفة انطلقوا للعمل المقاوم في ذروة الملاحقة والاستهداف، وفي أكثر الظروف صعوبة وتعقيدًا، بلا عدة ولا عتاد، حتى جمعوا بشق الأنفس معدات متواضعة للعمل مكنتهم لاحقا من غنم الأسلحة وتطوير الفكرة بعد الفكرة حتى أصبحوا يضربون الاحتلال في كل مكان بلا هوادة، وقد نجحوا في تصعيد المواجهة وعاشوا حياة الملاحقة والمطاردة في الجبال والكهوف، حتى قضى بعضهم شهداء، في حين أصبح آخرون في السجون دون أن يفرطوا في أمانتي الدين والوطن، وما زال من بقي منهم أو من تلاميذهم خارج الأسوار يحن إلى عودة مجيدة تشعل فيها ساحات المواجهة من جديد.
ويعد القائد المجاهد خليل الشريف أبرز أبطالها من خلال حياته الجهادية المشرقة بالعمل والمطاردة والاستشهاد، وإلى جانبه باقي الشهداء القادة، يوسف السركجي، ومحمود أبو الهنود، ومهند الطاهر، وأيمن حلاوة، ونسيم أبو الروس، وجاسر سمارو، وبإطلالة مضيئة على الاستشهاديين الأطهار توفيق ياسين، ويوسف الشولي، وبشار صوالحة، و معاوية جرارعة، وغيرهم من الأبطال الذين غيبتهم سجون الاحتلال.
رابعًا: الرواية وإلهام الشباب
وتشكل هذه الرواية أهمية بالغة في صياغة وعي الشباب نحو الانطلاق لاستئناف العمل المقاوم، ومحاكاة تجارب المقاومين السابقين والاستفادة من تجاربهم، وتطوير أساليبهم، وبناء صفوفهم في الضفة وتكوين الخلايا والمجموعات التي يمكن أن تربك أمن الاحتلال وتستنزف قواته وتشاغله طوال الوقت وتردعه ثمنًا لعدوانه وجرائمه المتواصلة، وتعطي صورة واضحة لطبيعة العمل وظروف المعاناة التي يجب أن يتجهز لها المقاومون الجدد، وللأخطاء التي وجب عليهم أن يتحسبوا لها، وللاستعدادات التي من الواجب أن تكون حاضرة لإنجاح العمل، بل تشكل دفعة نفسية ومعنوية مهمة في شحن الشباب وتعبئتهم بطريقة نموذجية لإكمال الدور والاضطلاع بمسؤولياتهم الوطنية في أحلك الظروف التي يتعاظم فيها الاحتلال والعدوان.