تحظى معركة "حجارة السجيل" 2012م بمدلولات عسكريّة غاية في الأهميّة على صعيد تطور قدرات المقاومة العسكريّة في إدارة العلاقة مع الاحتلال؛ إذ تخلل المعركة عمل عسكري مفاجئ وجريء تمثل في قصف "تل أبيب" المركز الحيوي الأكثر نشاطًا في الكيان.
ونظرًا لأهمية المعركة، فإنّ دراسة فصولها تُعدّ احتياجًا منهجيًا يتطلب قراءة معمقة في دوافع إدراج المقاومة "تل أبيب" ضمن بنك أهدافها، وما رافق ذلك من إجراءات الإعداد والتجهيز العسكريّ، ومدلولات انتهاج أسلوب المبادرة الميدانيّة في مواجهة الاحتلال.
دفعت التغيرات في الإقليم وتداعياتها المقاومة إلى تعزيز الإنتاج العسكريّ الذاتي من أجل تأمين الحاجة الميدانيّة الملحّة، بعيدًا عن الحالة المزاجيّة لدول الجوار، وما يترتب عليها من تشديدٍ للحصار، والتشويش على خطوط الإمداد الخارجيّة.
وفي هذا الإطار، ومن خلال الاستفادة من خبرات محور المقاومة وتقنياته العسكريّة، تمكنت المقاومة خلال عامي (2010 - 2011) من إنتاج صواريخ محليّة قادرة على الوصول إلى مدى يتجاوز (75) كلم.
رغم الجهد الاستخباريّ الموجه نحو غزّة، فإنّ الاحتلال قد فشل في تقدير قدرات المقاومة الصاروخيّة، خاصةً القدرة على إنتاج صواريخ طويلة المدى. وبهذا الصدد، التقط الاحتلال إشارات ضعيفة حول امتلاك المقاومة صواريخ "فجر" الإيرانيّة طويلة المدى.
ومن خلال استراتيجية "معركة بين الحروب" حاول الاحتلال عرقلة وصول هذه الصواريخ إلى قطاع غزّة عبر استهداف قوافل إمداد ومصانع سلاح خارجيّة.
ضمن التطورات الحاصلة في بنيتها التنظيمية وأدواتها تعتمد المقاومة تقييمًا عامًا لكل معركة مع الاحتلال، ما ساعدها في تحويل تهديدات الاستئصال إلى فرصة تطوير وبناء للقوّة.
وفي هذا السياق، أوصت لجنة تقييم معركة عام 2008م، بضرورة امتلاك أوراق ضغط على الاحتلال عند اعتدائه على غزّة، وتصنيف هذه الأوراق وفق حجم العدوان وهدفه، وبالتّالي صدَّقت قيادة المقاومة على إدراج "تل أبيب" ضمن خطة مواجهة العدوان.
ويُشير ما سبق إلى جرأة قيادة المقاومة وصلابتها، وتفضيلها أسلوب المبادرة والاختبار في محاولات اختراق الخطوط الحُمر التي رسمها الاحتلال. وفي هذا المضمار انتهجت المقاومة الأسلوب الخداعي "سلوك المستحيل" من أجل مفاجأة الاحتلال وإحداث الصدمة لديه؛ فهذا الأسلوب قائم على اتباع الرد الذي يعده الجميع مستحيًلا، نظرًا لأسباب متعلقة بحالة الرعب الجمعي العربي من الاحتلال.
فعلًا بعد (4) ساعات من العدوان، اتخذت قيادة المقاومة قرار قصف "تل أبيب" بصواريخ (M75) محلية الصنع، الأمر الذي أحدث تشويشًا على دائرة صنع القرار في الكيان، وهو ما عجّل -إلى جانب البيئة السياسية الحديثة في مصر- في وقف العدوان، يؤكد ذلك المعلق السياسي في "هآرتس" آري شبيط، بالقول: "(إسرائيل) لم تنجح في إنهاء اللعبة، وتلاشت إنجازاتها (...)، كان التوصل إلى تهدئة أفضل من التورط في عملية برية مجهولة التداعيات".
وتُعدّ الصواريخ عنوانًا مرحليًا وسلاحًا تكتيكيًا في مواجهة الاحتلال، أي أن كل معركة مع الاحتلال تتميز باستخدام سلاح نوعي.
ويُدرك الاحتلال أنّ امتلاك منظومات دفاعيّة سيزيد المقاومة إصرارًا على خلق أدوات قتاليّة جديدة ومؤثرة؛ إذ تستغل المقاومة فترات التهدئة من أجل بناء قوة عسكريّة تكون على مستوى العدوان وحجمه، ويتضح ذلك في معركة عام 2014م، التي بزرت فيها "الأنفاق الهجومية" كسلاح نوعي.
وعلى أغلب التقديرات، ستشهد المعركة المقبلة دخول أسلحة نوعية جديدة إلى الخدمة العسكريّة، بما سيسهم في تحقيق مبدأ مفاجأة الاحتلال، وبالتّالي إلحاق الخسائر في صفوفه، وتحسين مستوى "الردع النسبي" لصالح المقاومة الفلسطينية.