تشهد الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية تطورات داخلية متلاحقة، تمثلت أهمها في صعود تدريجي للزعيم اليميني "نفتالي بينيت"، الذي يمهد طريقه لخلافة نتنياهو، ويواجه شريك الأخير وزير الحرب بيني غانتس دعوات من حزبه أزرق-أبيض، للانسحاب من الائتلاف الحكومي.
معسكر غانتس يشهد مواقف متباينة من البقاء في شراكة مع نتنياهو، ففريق يدفعه للتخلي عنه، لأنه لا يوجد ما يستحق استمرار الحزب داخل هذا الائتلاف الحكومي، ولو دقيقة واحدة، وعلى الجانب الآخر يظهر تيار ثانٍ يقود حملة للتهدئة مع حزب الليكود، في حين يعتقد التيار الثالث أن نتنياهو لن يحترم التناوب على رئاسة الحكومة مع غانتس.
هذه التيارات الثلاثة داخل أزرق-أبيض تبدي تقديرا أقرب إلى الدقة، مفاده أن في كل لحظة يبقى الحزب شريكا لليكود، فإنه يجعله ينزف، ويفقد الأصوات بوتيرة سريعة، وتأتي معارضتهم للاستمرار بحكومة نتنياهو لأن ثمن البقاء فيها هو تآكل الحزب، وتفاقم معاناته.
هذه التطورات الحزبية الداخلية شكلت أخبارا سيئة للغاية بالنسبة لغانتس، وبات واضحا أن أي سيناريو للحل يجب أن يمر من خلال استبداله كزعيم للحزب، لأن انتخاب رئيس جديد ربما يكون بمقدوره استعادة الثقة، ومنع الانهيار النهائي للحزب.
غانتس يدرك خطط رفاقه هذه، ويعلم أن نتنياهو لن يحترم اتفاق التناوب، ولن يخلي مكانه في الوقت المناسب، كما هو منصوص عليه، ورغم انقضاء مهلة إقرار الميزانية، فقد ظل أزرق-أبيض جالسا في الائتلاف، وكأن شيئا لم يحدث، وقد برزت خلافات الليكود وأزرق- أبيض حول إقرار الميزانية، ففي حين يريد الأول إقرارها لمدة عام واحد، في ظل عدم اليقين جراء تداعيات جائحة "كورونا"، يصر الثاني على إقرار ميزانية لعامين.
رغم الثمن الشخصي للبقاء بحكومة نتنياهو، فإن غانتس كان سيؤيد رأي كبار أعضاء حزبه بمغادرتها، ليس لأنه يريد القتال في حرب قد يضطر فيها للاستسلام، ولكن لأنه ليس لديه خيار آخر، فقد انقضى الموعد الحاسم أمام نتنياهو، ما يكشف مدى قدرته على الصمود أمام السخرية والاستهزاء في أعين خصومه ومؤيديه.
هناك من يدعم غانتس في الرأي بأن الأمر يستحق الاستسلام هذه المرة أمام نتنياهو، فليست المرة الأولى التي يفضل فيها البقاء بمنصبه، ما يجعله مترددا بين قادة حزبه، ويتزامن مع قرب إجراء الانتخابات، وفي هذه الحالة قد يسفر الأمر عن انخفاض نسبة المصوتين له، أو تحوله لحزب صغير.
هذه المعطيات دفعت كبار مسؤولي الحزب للتهديد بالاستقالة إذا استسلم زعيمهم غانتس لنتنياهو، وربما الانشقاق عنه، وتشكيل حزب جديد، لأنهم يعتقدون أن الحكومة بحاجة للتفكيك، ويرون أن الساعة الرملية بدأت تنفد، رغم استمرار غانتس بتردده، وإيمانه بمعجزة تناوبه على رئاسة الحكومة، مع أن الاستطلاعات لا تبشره بالخير.