تسع وستون سنة مرت على شعبنا الفلسطيني وهو يتنقَّل من نكبة إلى نكبات، فلا عاد اللاجئون إلى ديارهم، ولا نالوا شيئاً من التعويض عن معاناتهم، ولا تحررت بلادهم ولا جزء منها، ولا اعترف العدو بحقوقهم، ولا توقف نزف الأسرى في سجون الاحتلال، ولا توقف الاستيطان وتهويد القدس، بل العكس من كل ذلك هو ما جرى. إننا بحاجة إلى نظرة تقييمية؛ هل فعلنا يتقدم بنا إلى الأمام، فبأي قدر، وعلى أي مستوى؟ أم يتراجع بنا فعلنا إلى الوراء، وهذا حالنا لا يخفى على أحد، فقد كنا نرفض (إسرائيل) فباتت منظمة التحرير وفصائلها تعترف (بإسرائيل). كنا نمجِّد الفدائي والكفاح المسلح، فبتنا ننبذ الكفاح المسلح وتنعته قيادة المنظمة بالإرهاب، وتتبرأ من الفدائيين. كنا نطالب بتفكيك المستوطنات، فبتنا نطالب بوقف التمدد الاستيطاني... وغير ذلك كثير من مظاهر التراجع.
إنني على قناعة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن خطى الشعب الفلسطيني لم تكن تسير على طريق التحرير، ولو ساروا على طريق التحرير لأعدّوا له عُدّته. والتحرير ليس كفاحا مسلحا أو مقاومة مسلحة، بل التحرير نضال شعب يعمل كتروس الساعة؛ بعضها إلى جانب بعض، كل له مجاله واختصاصه، وميزته. فهذا المعلم يربي الأجيال على حب الوطن والجهاد والمقاومة، وهذا المخرِج يوظِّف أفلامه في خدمة قضيته لكسب الرأي العام العالمي، وتعبئة شعبه باستمرار، وهذا الدبلوماسي، يروِّج لقضيته ويقنع العالم بها، وهذا السياسي، لا يترك مكاناً ولا موقفاً إلا وظّفه في خدمة قضيته مستميتاً في الدفاع عن التحرير والعودة، وهذا المجاهد لا يدع فرصة للإعداد لم يغتنمها.. وهكذا. غير أن كل طاقات شعبنا يجب أن تخضع لقيادة واحدة تنسج خطة التحرير وتوظف طاقات شعبها نحوها. وحيث إنه ليس لدينا قيادة واحدة، فلا خطة واحدة، ولا جهود منتظمة، ولا استثمار لأي شيء.
وفي الوقت نفسه لا قيمة لأية وحدة لم تلتزم هموم الوطن، ولم تضع التحرير نصب أعينها، لأنها بذلك تكون قيادة تائهة أو متخاذلة. إننا بحاجة إلى قيادة صارمة، توحد الشعب على أهدافه العليا، وتوظِّف طاقاته نحوها، عندها فقط نكون على أعتاب التحرير، الذي سيقودنا للعودة.
قال تعالى: {..إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} (البقرة 246)